الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 نرمين وعزة «نصف العقل»  

 نرمين وعزة «نصف العقل»  

لم يخف إحسان عبدالقدوس أمام زوجته، إعجابه بابنة أختها نرمين، لذكائها اللمّاح، ودقّة ملاحظتها، وطول أناتها، ودماثة خلقها، واتزانها، وطلب منها مفاتحتها وإقناعها بالانضمام إلى «سكرتارية» مكتبه بعد أن تُنهى دراستها، فتُعاون مديحة عزت فى أعمال السكرتارية، لمتابعة شئون المكتب، وتراكم الملفات فيه، خصوصًا بعدما أسندت له أمه، الست روز، رئاسة تحرير «روزاليوسف»، إضافة إلى هموم ومشاكل الإدارة والمال، فبات فى أمس الحاجة إلى من يسهر على تنظيم مواعيده واجتماعاته، ويرتب ملفات القضايا والمشاكل الإدارية والمالية، والأهم أن يبعده عن الروتين الإدارى، الذى قد يُعكّر عليه صفو الكتابة، ومتابعة شئون التحرير.



طارت نرمين بزهوها، ستصبح سكرتيرة «الأستاذ»، المولعة  بقصصه  ورواياته،  وكان ينشر بعضها فى «روزاليوسف »، وتمنّت أن يأتى اليوم الذى تلتقيه فيه. لم يُدِر فى خلدَها لحظة واحدة، إنها ستصبح المؤتمنة على أسرار وكتمات صدر «الأستاذ»، وحافظة خزانة تاريخه الصحفى على مدى أربعين سنة وحتى اللحظات الأخيرة، وهو يعانى سكرات الموت.

كان يقول عن نرمين إنها «نصف عقلى». ولا يترك الكلام عنها عند هذا الحد: «هى مديرة مكتبى، المؤتمنة على كل لحظات حياتى، على مدى أربعين عاما».. وهى ترد:

«هو أبى الروحى، وأستاذى، وزوج خالتى، منه تعلمت الكثير، وأدين له بالكثير».

هى نرمين القويسنى التى لم تكن مجرد سكرتيرة لإحسان عبدالقدوس فقط، ولكنها كانت مديرة حياتنا فى روزاليوسف من جميع أوجهها بروح الأمومة التى تمنحك هالة من المودة يصعب أن تجدها فى أى كائن بشرى.

عايشت نفس الحدث والمشاعر التى جسدها الأستاذ فى سكرتيرته، تجسد الحدث فى ذاكرة الزمان، واستعاده مكان آخر، تجسد فى موقع عملى  الخاص بعد سنوات من غربتى فى لبنان والمملكة المتحدة  والمغرب، مع زميلة،  وفقنى الله فى اختيارها، فتاة إسكندرانية  لتتولى أمور مكتبى كسكرتيرة، تشابهت مع نرمين القويسنى فى كل صفاتها، وهكذا كانت عزة موريس،  فأصبحت نصف عقلى والمؤتمنة على لحظات حياتى أكثر من خمسة وعشرين عامًا.

أكتب اليوم عن « عزة» زميلة وصديقة أعطت كل حياتها للعمل، ولى منحتها الثقة  بالكامل لتدير النواحى الإدارية والمالية وتقرر ما تراه دون الرجوع إلى فى معظم الأحيان، لكنها وللأمانة كانت جديرة بالمسئولية والثقة، ولا أتذكر أنها أخطأت أو تجاوزت حدود عملها.. فعن أى عزة أكتب..؟

أكتب عن السكرتيرة الشابة التى تتحرك فى كل اتجاه وتعمل ساعات طويلة يوميًا بلا كلل؟، وتنقل وتتابع هموم الشركة معها فى وقت راحتها، وحتى فى مخدعها لتعرض علىَّ فى اليوم التالى ما توصلت إليه، أم أكتب عن ذراعى الأيمن  وكاتمة أسرارى ومعها أسرار الشركة؟ أم عن مواقفها الإنسانية وأصدقائها وزملائها الذين أخلصت لهم وساندتهم بكل الوسائل حتى نهاية عمرها؟

فهى إنسانة متعددة الثقافات والمواهب، كان لديها القدرة  لتتصل تليفونيا بأى شخص  لتحدد لى مواعيدى وأنا المشغول بأمور كثيرة وبعلاقات متشعبة فى الداخل والخارج إلى جانب كتاباتى وطموحاتى.. فقد عرفتها منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا  زميلة وصديقة لم يكن هناك مثيل لها، تساند الجميع وتقف إلى جانب الكل فى أفراحهم وأحزانهم وحتى فى مشاكلهم العائلية. إنسانة من نوع خاص انعكس تعليمها وثقافتها وتربيتها على شخصيتها الجادة والصارمة أحيانا. أعطت كل عمرها للعمل، كانت هادئة أمام أية عواصف. تتمتع بشخصية قوية وجاذبة ودماثة فى الخلق، موضع احترام الجميع من الزملاء أو العملاء، لم يختلف اثنان ممن تعاملوا معها من داخل أو خارج المؤسسة  على تميزها بالكفاءة المهنية  والإدارية وبما تمتعت  به من خلق كريم وتواضع وقدوة، منذ ست سنوات داهمها المرض اللعين، ورغم خضوعها لجلسات العلاج  المؤلمة، لم تتوقف يومًا عن الحضور للقيام بعملها والمتابعة لكل خطوات العمل، أخفت مرضها عن الجميع حتى لا يتأثر العمل،  لم تعصَ لى يومًا أمرًا، إلا طلبى منها الراحة والتفرغ للعلاج، عصت أوامرى فالعمل هو الحب والارتباط الوحيد فى حياتها، ارتبطت به وأخلصت له.

كنت فى غاية الإزعاج بعد أن شعرت بتدهور حالتها الصحية، وطمأنتنى بأن حالتها قابلة للعلاج وللشفاء،  وتصر على أنها فى طريقها إلى الشفاء. قالت لى لا تحزن فالحياة تسير. كانت متفائلة لكننى وللأسف لم أشاركها تفاؤلها. إلى أن كانت الزيارة الأخيرة لها بالمستشفى والوداع الأخير.

رحم الله عزة موريس بعد 25 عامًا من العطاء والإخلاص.