بطل ملاكمة وعازف كمان وممارس لليوجا
صلاح طاهر من «نيتشه».. إلى «طريق الله»

زين إبراهيم
قبل بداية ندوة عن تجربة الفنان التشكيلى الكبير صلاح طاهر بمناسبة ميلاده (1911-2007) نظمها أتيليه العرب للثقافة والفنون برئاسة الناقد التشكيلى هشام قنديل مؤخرًا، كنت أتناقش مع مديرها الشاعر محمد حربى عن فن صلاح طاهر، وأسباب تحوله من الرسم الأكاديمى والكلاسيكى كالبورتريهات والموديلات والطبيعة إلى نزوعه نحو التجريد فى أوائل الستينيات، وهل كان هذا التحول وراءه توجه ما ورفض للتجربة المتميزة الأولى.
تركنى حربى لبدء الندوة التى صاحبها معرض للفنان الكبير من إبداعاته التجريدية، وهى من مقتنيات الراحل محمد سعيد فارسى أمين مدينة جدة الأسبق، وشارك فيها الفنانون والنقاد الكبار: عز الدين نجيب ورضا عبدالسلام ومصطفى الفقى، وأيمن صلاح طاهر ابن الفنان الكبير، وهدى عبدالرحمن التى أصدرت كتابًا عن تجربة صلاح طاهر.
حظيت الندوة بكلام وتحليل مهم لتجربة صلاح طاهر الغنية، وجوانبه الشخصية والثقافية التى قدمت لنا أعمالاً فنية ثرية كللت بحصوله على جائزة التفوق.

وتبارى المتحدثون فى الحديث حول تجربة صلاح طاهر التى بدأت بتلمذته على يد الفنان الكبير أحمد صبرى، واتخاذه للكاتب الكبير عباس العقاد أستاذًا له، بعد أن أعجب بثقافته وممارسته للملاكمة التى علمته التفوق على أقرانه، وإيمانه بفلسفة نيتشه والإنسان السوبر، إلى الحديث عن تجربته التجريدية التى بدأها بعد زيارته القصيرة إلى أمريكا، ثم إنتاجه الضخم المميز فى أعماله التجريدية التى تميزت بصياغات ومعالجات تختلف عن الشكل التقليدى، ويعتمد فيها على مقومات صوفية روحية تجعله يتحكم فى كمية الضوء والتنوع فى إيقاع الخط والمساحة واللون.
وبحسب النقاد، دخل صلاح طاهر عالم التجريد من باب الموسيقى، خاصة أنه كان عازفًا ماهرًا للكمان، وكان يقول: لو لم أكن رسامًا لكنت مؤلفًا موسيقيًا، ولكنه القدر.
ورغم أن طاهر بدأ الرسم أكاديميًا ماهرًا يصور المناظر والأشخاص والموضوعات الكلاسيكية، متمكنًا من المهارات الأساسية منذ تخرجه فى الفنون الجميلة، فإنه فى الستينيات تغيرت نظرته للبيئة والمجتمع، وبدا أنه لم يعد يناسبه ذلك الأسلوب الأكاديمى، فتحولت لوحاته إلى التشكيل المجرد.
دعونا نحكى كيف بدأ التحول؟
بدأت الموجة التجريدية فى الحركة التشكيلية المصرية عام 1956 على يد الفنان رمسيس يونان (1913 - 1966)، ثم تبعه الفنان فؤاد كامل (1919 - 1973) الذى تحول إلى التجريد التعبيرى، ثم أكملها صلاح طاهر بعد عودته من الولايات المتحدة.
وهناك قصة معروفة أنه شاهد فى أمريكا لوحة «تجريدية» لفنان مجهول تفوز بالجائزة الأولى، فى معرض من المعارض الكبرى، جعلته تلك اللوحة التى نسى اسم مبدعها أن يستخلص حكمة ما.. وهى ضرورة الانقلاب على نفسه أو تغيير جلده الفنى!
ولم يكن التحول فى فن صلاح طاهر تدريجيًا، وإنما جاء بشكل مفاجئ ربما دفعه إلى ذلك الحرية المطلقة فى المذهب التجريدى التى يحسها الفنان وهو يعبر عن ذاتيته.
ولكن بعض النقاد يرى أن تجريدية صلاح طاهر ليست تجريدية خالصة لأن الأشكال التى يرسمها ليست كلها من الذهن، فهو يستخدم أحد الأشكال الواقعية أو مجموعة منها ثم يكررها فى اللوحة الواحدة مراعيًا الجوانب الجمالية الشكلية.
ويتميز الفنان صلاح طاهر بغزارة إنتاجه وتعدد استخداماته للخامات اللونية، فقد تعامل مع الألوان الزيتية والجواش والأكريلك والألوان المائية والباستيل، وكان يستخدم قطعة من الإسفنج ليرسم بها فوق اللون تاركًا تلك الآثار المتكونة بفعل تلك الإسفنجة أو اختيار الآلية المناسبة لصلابة السطح ومرونته.
وهنا يصف الناقد عز الدين نجيب تجربة طاهر الفنية قائلاً: «تبدو فى تجربته التحديثية ظلال قوية من الاتجاهات الغربية الحديثة تحول بينها وبين الوصول إلى قطاعات عريضة من الجمهور وتضعها فى إطار فن النخبة، ولذا فإنه بروح الانطلاق المتوثبة لتخطى الثوابت والجوامد- يستنهض قوة الدفع فى المجتمع للحاق بالعصر الحديث.. بلغته وديناميته».

فى تعليق مهم للناقد الراحل محمود بقشيش على تجربة طاهر التجريدية قال: «لو اتفقنا مع عدد من النقاد ومع الفنان نفسه فى وصف جزء من إنتاجه بالتجريدى، فإننا نلاحظ خلافاً واضحاً بين تجريدية صلاح طاهر، والتجريدية الغربية، وأول نقاط الخلاف وأهمها هى أن أسلوب «طاهر» لا ينفى بعض المشابهة مع الواقع المرئى، ولا ينبذ التجسيم، بل يتجه به أحياناً إلى أن يكون نحتياً، وإبداعه يتسق مع التصور الرامى إلى وصف الذاكرة المصرية للفن بأنها ذاكرة الأشكال المجسدة والواصفة للواقع، والميالة للبناء».
أيًا كانت الأسباب الحقيقية وراء تحول صلاح طاهر إلى الفن التجريدى فإنه استطاع ترك بصمة مهمة فى هذا المجال، ومن يشاهد لوحاته المعنونة بلفظ الجلالة «هو» سيجد فيها إبداعًا تشكيليًا مميزًا ومبهرًا محتشدًا بالخبرة والصوفية والنزعة الروحية.
جدير بالذكر أن الفنان صلاح طاهر ولد فى مايو من عام 1911 ورحل فى عام 2007، وتخرج فى العام 1934 من مدرسة الفنون الجميلة العليا بمصر، وتولى عددًا من المناصب الثقافية المهمة منها مدير لمتحف الفن الحديث بالقاهرة، ومدير لمكتب وزير الثقافة، ومدير عاماً للإدارة العامة للفنون الجميلة بمصر، ومدير لدار الأوبرا المصرية، ومستشار فنى لمؤسسة الأهرام، وترأس جمعية محبى الفنون الجميلة، وفى العام 1961 حصل على جائزة جوجنهايم العالمية، ثم حصل على جائزة الدولة التقديرية فى عام 1974مع وسام الاستحقاق، وهو أول من حصل على جائزة مبارك فى الفنون عام 1999.