د. أسامة السعيد
الثورة التى أنقذت الدولة
المفاتيح السبعة لـ «معجزة» 30 يونيو
فى حياة الشعوب لحظات مثل العطر النادر، يزيدها الزمن قيمة، وتخلصها السنوات من الشوائب، فلا يبقى سوى الرحيق، ليدوم الأثر ويتركز الإحساس بقيمة ذلك العطر القادر على أن يفوح منعشًا الروح عبر السنوات، ومجددًا ذلك الشعور الأول بقيمة ما صنعناه.
وأتصور أن ثورة 30 يونيو فى حياة المصريين كذلك العطر النادر، الذى كلما مرت عليه السنون زادته رونقًا وعبقًا، خرج المصريون فى ذلك اليوم من عام 2013 بالملايين بصدور عارية إلا من إحساسهم بحتمية استعادة وطنهم الذى تسرقه جماعة إرهابية وتتاجر به فى سوق «الربيع الزائف».
واجهت الأسر المسالمة التى اصطحبت أطفالها لميادين التظاهر، إرهاب الجماعة «الفاشية الفاشلة» بأيادٍ فارغة إلا من علم بلادهم الذى تتعانق فيه ألوان السلام البيضاء، برمز الأرض الطيبة السمراء، بدماء الشهداء الحمراء، يتوسطهم جميعًا نسر يرقب المستقبل ويترقب المصير.
بات الجميع يدرك اليوم، بعد أن دارت عجلة الزمن لتتم عقدًا كاملًا على تلك اللحظة الفريدة، أنهم كانوا على حق، وأن لحظة الإنقاذ لوطنهم ومستقبلهم كانت تستحق التضحية والصبر، وأن يوم الثلاثين من يونيو 2013، لم يكن لحظة عابرة فى تاريخ هذه الأمة، بل كان صفحة جديدة قرر المصريون أن يكتبوا فيها كلمة واحدة مجردة من كل الحسابات والتوازنات والتباينات، كلمة تتجاوز الهويات والاختلافات والانتماءات.. مصر.
عندما يتأمل المصريون اليوم مسار السنوات العشر الماضية، ومسيرة ثورتهم المدنية البيضاء، يستعيدون لحظات القلق والخوف، لا على حياتهم، بل على وطنهم.
تتذكر تلك الأسر التى لم تكن علاقتها بالسياسة تتجاوز مجرد متابعة «خناقات» بعض الساسة على الشاشات، وربما أحاديث عابرة على موائد الطعام، لكن تلك الأسر وجدت نفسها فجأة فى قلب الحدث، تدفع كل يوم من قوتها ومستقبل أبنائها ثمنًا فادحًا للحظة ارتباك وتردد وخطأ فى الرؤية والتقدير، بل وأدرك هؤلاء أنهم وقعوا ضحية عملية تضليل محكمة، وسيناريو محبوك للدفع بجماعة عاشت لعقود فى كهوف الظلام السياسى، وقضى قادتها جل أعمارهم بين دهاليز السجون وجحور الإرهاب، إلى واجهة المشهد!
فى 30 يونيو 2013، قرر المصريون تصحيح الخطأ.. خطئهم وخطأ التاريخ.. قرروا التخلص من الارتباك والقلق والتردد، وبضربة واحدة أطاحوا بكل ما قضى دهاة وساسة وعملاء فى ترتيبه لمصر وللمنطقة على مدى سنوات.
واليوم عندما يتأمل المصريون ما جرى قبل 10 سنوات ينظرون برؤية أفضل إلى عظمة ما أنجزوه، بعدما انقشعت غمامات الترهيب والتخويف وصناعة اليأس والإحباط، وبعدما اتسعت مساحة الرؤية والتقييم لما أنجزته ثورتهم، وما حققته دولتهم، وما تتطلع إليه جمهوريتهم الجديدة.
صحيح أن العقد الماضى لم يخل من لحظات صعبة، ومنحنيات خطرة، وتحديات كبرى، لكن كل ذلك عندما يتأمله المصريون بعين الاعتبار والرؤية المنصفة لما تحقق يدركون أنها كانت مثل درجات السلم الصاعد، مجهدة ومتعبة وأحيانًا مؤلمة، لكن تجاوزها يدفعنا دومًا إلى الأعلى.
الآن عندما ننظر بعين القارئ للتاريخ وللواقع، ندرك أن ما تحقق كان كبيرًا وكثيرًا، ولعلها فرصة لتأمل كيف استطاعت 30 يونيو الانتقال من الثورة إلى الدولة، وكيف استعادت الاستقرار وغيرت المشهد ليس فقط فى مصر، بل وفى المنطقة كلها، وهو ما يمكن تلخيصه فى سبعة مفاتيح أساسية صنعت الحدث، وصاغت التجربة الفريدة.
التفاف الشعب
أول المفاتيح التى ينبغي التوقف عندها عند إعادة قراءة سطور ما أنجزته 30 يونيو هو تكوين القوى التى صنعت ذلك المشهد، فقد كان ذلك التكوين تعبيرًا عن الأعمدة الأساسية لمكونات مصر الحقيقية، فعندما نشهد التفاف الشعب وقواته المسلحة، ومؤسساته الدينية (الأزهر والكنيسة)، إضافة إلى قوى سياسية مدنية تؤمن بقيمة الوطن، ولا تعتبره - كبعض من جاءت بهم هبة ريح فى يوم عاصف- مجرد حفنة تراب!
ذلك المشهد الجامع لمكونات الشعب المصرى «الأصلى»، كان واحدًا من أسباب انتصار الثورة، وعوامل استمرارها، وأسرار قدرتها على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية العنيفة التى توالت ليغير المصريون إرادتهم، ويتراجعوا عن قرارهم، لكن ذلك التكوين الشامل والجامع لعموم المصريين ومؤسساتهم، وقف كحصن منيع أمام الضغوط، فكان الآخرون هم من غيروا قرارهم، واقتنعوا ولو بعد حين بصحة ما رآه المصريون، وقيمة ما فعلوه.
هذا التكوين الشامل، والمشاركة على أرضية وطنية فى صناعة الثورة، ثم بناء مشروعها التنموى لاحقًا، ساهم فى توفير حاضنة شعبية قوية، نجحت فى تشجيع صانع القرار على اتخاذ قرارات صعبة، لم يكن أحد يجرؤ على اتخاذها، لو لم تكن لديه تلك المساندة الشعبية.
كما كانت استعادة تماسك النسيج الوطنى بعد محاولات التفتيت والتقسيم الدينى والطائفى والاجتماعى التى سعى من خلالها «الإخوان» لتمزيق أحد أهم أعمدة بناء الشخصية المصرية، وهو تماسك النسيج البشرى المصرى، من بين المؤشرات الدالة على قدرة تلك الثورة على المضى فى مسارها التصحيحى، وأحد النجاحات الكبرى التى حققتها الثورة فى لحظاتها الأولى.
وإذا ما أضفنا ما يجرى اليوم من حوار وطنى شامل على أرضية وطنية جامعة، سندرك أن لحظة التأسيس لتلك الثورة لا تزال حاضرة فى عقل الدولة، وأن شعار «الخلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية» الذى رفعه الرئيس عبدالفتاح السيسى هو تجسيد حقيقى لمبادئ 30 يونيو، حتى مع تغير المراحل وطبيعة الميادين التى تتحرك فيها تلك الدولة.
استعادة الأمن.. والأمل
المفتاح الثانى، يتمثل فى قدرة دولة 30 يونيو على استعادة حالة الأمن الذى كان مهددًا فى كل لحظة بفعل أتباع الجماعة أو حلفائهم من التنظيمات الإرهابية.
وهنا ينبغى ألا ننسى تلك الوقائع الدامغة لقرارات العفو الرئاسية التى أصدرها مندوب «الإخوان» فى قصر الرئاسة؛ محمد مرسى، لصالح عشرات المدانين فى قضايا إرهابية، وسبقتها عمليات تهريب مئات من السجناء والإرهابيين من السجون فى أحداث 25 يناير 2011، وبعضهم كان تابعًا لجماعات خارج مصر.
يضاف إلى ذلك عشرات الأسماء من الإرهابيين الدوليين وقادة تنظيمات الموت، الذين عادوا إلى مصر بمباركة إخوانية معلنة، فى محاولة بائسة من الجماعة لبناء جيشها الخاص لإرهاب الشعب، وابتزاز الجيش، ووضع سيف على رقبة الدولة عندما تحين لحظة المواجهة التى كان «الإخوان» يدركون أنها قادمة لا محالة.
استعادة الأمن لم تقتصر فقط على مواجهة الإرهاب، رغم ما حملته تلك التجربة من تضحيات كبيرة لخيرة رجال وشباب هذا الوطن، لكنها كانت مقترنة كذلك بحرب معلوماتية من أخطر ما يكون لتعقب خلايا تكفيرية وإرهابية زرعت عن عمد فى قلب الجسد المصرى، واستخدمت فى تنفيذ عمليات لزعزعة الثقة فى قدرة الدولة المصرية على المواجهة.
والأهم أن استعادة الأمن ركزت كذلك على حرمان قوى الإرهاب والتطرف من بناء أية حاضنة شعبية لهم فى أى مكان داخل مصر، فانحسر وجود هؤلاء فى الأطراف، وركزوا جهدهم على سيناء استغلالًا لاتساع جغرافيا المكان وقسوة التضاريس، لكن حرب «التطهير» نجحت فى إتمام المهمة، لتنطلق بموازاتها معركة «التعمير».
ومع كل تحسن تحققه معركة استعادة «الأمن»، كان إنجاز جديد يتحقق على مدى أبعد وهو بناء «الأمل»، فحالة اليأس والإحباط هى البيئة المثالية دائمًا لاختراق الشعوب وإشاعة الغضب فى النفوس، عبر أدوات مباشرة أو غير مباشرة كالشائعات والحرب النفسية، لكن الشعوب التى لديها رصيد وافر من الأمل فى المستقبل تتمسك بالاستقرار وتحميه، لأن لديها ما تخشى عليه، بينما اليائسون والمحبطون ليس لديهم ما يخسرونه، ولا يبالون بما يفعلونه فى أنفسهم أو أوطانهم.
إنقاذ الاقتصاد
صناعة الأمل لم تكن مجرد شعار، بل كانت بحاجة إلى إجراءات على الأرض تحولها من هدف وشعار، إلى حقيقة وواقع، وربما كان أحد الأمثلة على قدرة دولة 30 يونيو على بناء تقدير صحيح وواقعى، هو التيقن بأهمية إنقاذ الاقتصاد شبه المتداعى فى تلك الفترة، بعد فترة الاضطراب الأمنى والسياسى والمجتمعى، أدت بطبيعة الحال إلى هروب «رأس المال»، وهو بطبعه «جبان»، وإحجام اصحاب الأعمال عن ضخ استثمارات جادة فى بيئة ضبابية وسط حالة من عدم اليقين.
وهنا كانت الحاجة إلى استعادة دور الدولة فى الاقتصاد، عبر إطلاق مجموعة من المشروعات القومية العملاقة، فى مختلف المجالات، من البنية التحتية إلى الصناعة، ومن الزراعة إلى تصنيع الغذاء، ومن الكهرباء إلى الهيدروجين الأخضر.
هذه المشروعات لم تستهدف فقط إنعاش الاقتصاد المصرى وتوفير فرص عمل لملايين المصريين الذين كانوا يمكن أن يتحولوا إلى طاقة تدمير إذا ما عانوا البطالة وسوء المعاش، فإذا بهم أياد تبنى وتعمر فى كل ربوع الوطن بفضل تلك المشروعات التنموية العملاقة، بل تحولت تلك المشروعات إلى تجسيد عملى وواقعى لقدرة الدولة والشعب على البناء والتعمير، بعدما شاعت عنهم صورة الاضطرابات والتظاهرات ومظاهر التخريب.
هذا الإنجاز المادى والمعنوى تجسده مشروعات مثل قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية، وحياة كريمة، والمشروع القومى للطرق، ومشروعات الدلتا الجديدة وتوشكى والـ1.5 مليون فدان، وبناء عشرات المدن وافتتاح أكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم، ومحطات إنتاج الكهرباء، وتحويل مصر لمركز إقليمى للطاقة، وغيرها المئات من المشروعات التى يستحيل حصرها فى سطور.
هذه المشروعات استطاعت أن تؤمن لمصر قدرة على مواجهة المنحنيات الخطرة التى واجهت المنطقة والعالم، من أزمة فيروس كورونا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم ما عانته مصر كجزء من العالم جراء تلك الأزمات، لكن المعاناة كانت من الممكن أن تتفاقم لولا جهود إنقاذ الاقتصاد، وتلك المشروعات التى زادت من قدرة الدولة المصرية على المواجهة وامتصاص الصدمات، بل وتحولت لاحقًا إلى وسيلة مهمة لبناء علاقاتها الدولية عبر بناء جسور من التعاون الاقتصادى مع دول الإقليم.
إعادة بناء الدولة الوطنية
إنعاش الاقتصاد الذى كان على وشك الانهيار، لم يكن سوء جزء من خطة أكبر لإعادة بناء الدولة المصرية، وربما لم يستوعب البعض فى حينه عمق الوصف الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تحدث كيف كان الوضع أقرب إلى «شبه دولة»، وهو وصف يجسد حجم ما عانته معظم مؤسساتنا من أزمات وترهل، الأمر الذى كان يتطلب إنقاذًا سريعًا لكن مدروسا بعناية أيضًا.
وبالفعل بدأت على مدى السنوات الماضية إعادة تهيئة للكثير من مؤسسات الدولة المصرية، وتطوير للكوادر البشرية فى الجهاز الإدارى للدولة، وإطلاق لمبادرات التأهيل ورفع الكفاءة، وضخ دماء جديدة فى شرايين الدولة المصرية، وتكوين نخب جديدة على أساس علمى، وهنا يمكن الإشارة إلى مبادرات كالبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب، والكوادر التنفيذية، وتأسيس الأكاديمية الوطنية للتدريب.
وربما ارتبط ذلك بمشروع أكبر وأعمق تأثيرًا، وهو إعادة الاعتبار للدولة الوطنية، فمن يراجع الخطاب السياسى للرئيس السيسى فى العديد من المناسبات والمحافل الدولية، يستطيع أن يلمس حضور هذا البعد فى السياسة المصرية، وقد نجحت القيادة السياسية بالفعل فى تحويله إلى أحد الثوابت التى تحظى بالتفاف ودعم إقليمى.
وبات شعار الحفاظ على الدولة الوطنية أحد الأدوات الإقليمية الراهنة لمواجهة تفكك المنطقة ومنع التدخلات الخارجية، وهكذا انتقلت مبادئ ثورة 30 يونيو إلى دوائر تأثير أوسع، بهدوء وحكمة، ودون حديث صاخب عن تصدير الثورة، فالثورات الكبرى فى حياة الشعوب ليست سلعة للتصدير، لكنها أداة فاعلة للتأثير.
شجاعة القرار
المفتاح الخامس من مفاتيح صناعة ذلك التأثير المتنامى لدولة وثورة 30 يونيو يكمن فى شجاعة اتخاذ القرار، وبخاصة فى اللحظات الحاسمة، وما أكثرها خلال السنوات العشر الماضية، والشجاعة هنا تعتمد على تقدير صحيح للموقف والبدائل، واختيار أفضلها فى حدود الإدراك العميق للحقائق واستشراف المستقبل.
ويمكن فى هذا الصدد الحديث عن مئات القرارات الحاسمة التى ربما تخوف كثيرون من تداعياتها، فقرارات مثل تحرير سعر الصرف فى 2016، أو تخفيض الدعم تدريجيًا ضمن برنامج إصلاحى لاختلالات هيكلية أصابت الاقتصاد عبر عقود من المسكنات والإجراءات الجزئية، التى تعالج الأعراض ولا تصل إلى أصل المرض.
وتقترن شجاعة القرار كذلك بتعزيز قدرة الدولة على القتال على أكثر من جبهة، وهى ميزة أكسبت دولة 30 يونيو القدرة على تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل وضرورات التعامل مع تحديات الخارج.
فبموازاة العمل الدؤوب على بناء قدراتنا الذاتية داخليًا، لم تنكفئ «مصر 30 يونيو» على نفسها أو تنغلق، بل وظفت شجاعة القرار والقدرة على إدارة الموقف على جبهات متعددة فى إدارة العديد من الأزمات على المستوى الخارجى، وتجسد ذلك فى حماية مصالحها الاستراتيجية فى ليبيا والسودان والبحر المتوسط، وفى علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتنويع مصادر تسليح الجيش، وتنويع شركاء التنمية، والابتعاد عن سياسة الأحلاف، وبناء قاعدة من الشركاء فى العالم، واقتحام دروب القارة الأفريقية وسط صراع محموم للاستقطابات الدولية.
جمهورية العلم والعمل
«الجمهورية الجديدة» شعار صاغه الرئيس السيسى لوصف مشروعه الوطنى الساعى لامتلاك أدوات القدرة الشاملة للدولة، وهو مصطلح لا يعبر عن تطوير مرحلى، لكنه يؤكد أن تلك الرؤية تسعى إلى إعادة إطلاق الدولة المصرية العريقة على أسس مستقبلية، عمادها «العلم والعمل» كما وصفها الرئيس، وهما كلمتان فارقتان بالفعل فى بناء أى مستقبل، فبالعلم نستطيع تحديد أفضل الخيارات المتاحة، وأمثل أسلوب لإدارة الموارد التى تبدو محدودة فى كثير من الأحيان لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، فضلًا عن أن العلم يضعنا فى سياق المنافسة العالمية وهو أمر يزيد من سقف الطموحات ويضاعف من قيمة ما يتحقق من إنجازات.
والعمل هو التجسيد الحى للحلم، فالأفكار الكبيرة تحتاج إلى عمل دؤوب ومتابعة مستمرة لبناء المستقبل ونقله من خانة الرؤية إلى أرض الواقع، ومن يتابع حجم العمل الذى تم على أرض مصر خلال السنوات العشر الماضية يدرك أن ما تم يعادل ما أنجزته الدولة المصرية على مدى عقود وربما قرون، وأن سباقًا مع الزمن يجرى لتحويل «الجمهورية الجديدة» إلى واقع يعيشه كل مصرى.
شرعية الإنجاز
المفتاح السابع – وإن لم يكن الأخير- يكمن فى قدرة دولة 30 يونيو الدائمة والمثيرة للدهشة على الإنجاز، فكثير من المشروعات كانت تستغرق سنوات طويلة حتى تخرج إلى النور، الآن بات اختصار الزمن وهزيمته «هواية يومية» لدى دولة 30 يونيو، فالعمل يتواصل ليل نهار، وبمشروعات تتلاحق بوتيرة تجهد المتابعين.
هذا الإنجاز كمًّا وكيفًا، تحول إلى أحد أدوات ثورة ودولة 30 يونيو فى بناء شرعيتها، التى لم تعد تقتصر على شرعية «الإنقاذ» للدولة من براثن الجماعة الإرهابية، واستعادة الدولة المدنية المصرية الشاملة والجامعة، كما أشرنا سلفًا، بل بات تراكم البناء واتساع مساحة الفعل، أحد أبرز عوامل تأكيد وترسيخ تلك الشرعية، التى أجهضت محاولات التآمر على الدولة المصرية، ودفعت بخصوم تلك الدولة إلى أن يغيروا مواقفهم، ويأتوا إلى مصر راغبين فى استعادة العلاقات.
ولعل عظمة ما أنجزته دولة 30 يونيو يتضاعف عندما نتأمل اقترانه بتنمية إنسانية حقيقية، سواء عبر مد مظلة حماية اجتماعية غير مسبوقة تشمل ملايين الأسر عبر استهداف مخطط لمكافحة الفقر، وتوجيه الدعم لمستحقيه، أو عبر مشروعات تصل بالتنمية إلى مناطق ظلت على هامش الاهتمامات، فمن أكبر مشروعات لتنمية الصعيد وسيناء، إلى مشروع «حياة كريمة» الذى يستهدف تطوير الريف المصرى بتنمية شاملة، يمكننا أن ندرك كيف تفكر دولة 30 يونيو.. وكيف استطاعت فى 10 سنوات أن ترسخ حضورها ووجودها ودورها داخليًا وخارجيًا.