الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

 عــودة دقــات «الســـامر»

مسرح «السامر».. صرح ثقافى ارتبطت به الحركة الثقافية فى مصر فى فترة مهمة من تاريخها، وكان سبب طفرة فنية وثقافية منذ السبعينيات.



أُغلق مسرح السامر عدة سنوات، وكانت فرقته تتابع عملها وتستمر عروضها، وتقوم ببروفات العروض فى قاعة منف. ويعد مسرح السامر حالة فنية استثنائية صاحبها تأثير كبير فى المشهد الثقافى، لكن جاء قرار الإغلاق نتيجة تصدعات أصابته فى التسعينيات، ثم تم هدمه بالكامل فى بداية الألفية الثالثة.

سنوات عجاف مرَّت عليه حتى عام 2021، حيث بدأ العمل على تجهيزات إعادة افتتاحه مرة أخرى، وهو أمر عظيم وجلل لأهل المسرح والوسط الثقافى بشكل عام. ونحن الآن على مشارف إعادة افتتاحه، لذلك كان لا بد لنا من الاحتفاء بهذا الحدث.

 

توجهت «صباح الخير» بالسؤال للكاتب محمد أبوالعلا السلامونى، مدير إدارة المسرح التابع لها كل مسارح الثقافة الجماهيرية والفرقة المركزية، عن القيمة الثقافية لمسرح السامر وتأثيره فى المشهد الثقافى المصرى، فأكد أنه ليس مجرد مسرح، بل رمز للهوية المسرحية الشعبية المصرية.

 

 

 

تابع: «نعتبر مسرح السامر أساس المسرح فى مصر، والمسرح موجود فى مصر منذ أقدم العصور، والبرديات الفرعونية أثبتت ذلك، بل كان هناك مسرح شارع يعنى مسرح (سامر)، وكانت قائمة على فكرة (السيد والفرفور). هذا السامر الشعبى الموجود منذ الفراعنة، تطور بعد ذلك وبدأ فى العصور التالية فى مواجهة اضطهاد السلطات والفقهاء باعتباره بدعة، فتم منعه فى بعض العصور كما حدث مع ابن دانيال عندما قدَّم (خيال الظل) فأغلق له المماليك المسرح، وكذلك ما حدث مع فرقة (أولاد رابية) فى القرن الثامن عشر».

أضاف: «كل هذه النماذج كانت موجودة، ولكن وسط الطبقات الشعبية، وهذا ما يجعلنا نعتز بمسرح السامر، لأنه اسم تراثى نعتز به، وتلك العودة تعتبر استعادة لتراث المسرح الشعبى المهمل، واستعادة لحقه فى التقدير أمام جماهيره الطبيعية».

 

 

 

يضيف السلامونى: قرار عودة مسرح السامر فى هذا التوقيت هو رد اعتبار للمسرح الشعبى وللمسرحيين المصريين أنفسهم، ويجب أن يدفع هذا المسئولين فى المسرح إلى الاهتمام بتراث المسرح الشعبى، وهو تراث ممتد من أيام ابن دانيال وحتى يعقوب صنوع واللعبات التياترية.

لا بد أن نعيد هذا التراث من جديد، وندعو الكتّاب المعاصرين للجوء إليه بدلاً من اللجوء للنصوص الأجنبية، نخبرهم بأن عودة مسرح السامر تُذكر بضرورة العودة إلى تراثنا الشعبى وإلى هويتنا الشعبية، مع استغلال التقنيات الحديثة والسينوغرافيا الحديثة من خلال التراث الشعبى، والاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة فى تقديم هذه الأعمال، وبالتالى لا ننفصل عن حركة المسرح فى العالم، فالدول التى تحافظ على هويتها تهتم دائمًا بتقديم تراثها الشعبى من خلال المسرح.

قِبلة الأقاليم

 عن السامر وقيمته التاريخية والثقافية يقول المخرج والناقد والمؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة لـ«صباح الخير»، إن «مسرح السامر» جزء رئيسى وحيوى من تاريخنا المسرحى ومسيرتنا الفنية، ومظهر من مظاهر قوتنا الناعمة المهمة. وقد ظلَّ لسنوات طويلة (مدة نصف قرن تقريبًا) رمزًا للأصالة الفنية وللمحافظة على فنوننا الشعبية الأصيلة وهويتنا المسرحية.

وأشار إلى أنه يعد بمثابة الرئة الفنية الأساسية التى تمد كل فرق الأقاليم وجميع الفنانين المشاركين بها بالأكسجين الصحى، فهو النافذة التى أتاحت لهم فرصة تقديم عروضهم بالعاصمة، حيث الاهتمام الإعلامى ومتابعات كبار النقاد والصحفيين، كما أتاح لهم أيضًا فرصة بتواجدهم بالعاصمة لمشاهدة بعض العروض التى تقدمها الفرق المسرحية المتنوعة وخاصة فرق مسارح الدولة، التى يتعذّر عليها للأسف تقديم عروضها بمختلف الأقاليم.

و«مسرح السامر» تم افتتاحه فى 9 سبتمبر عام 1970 (كان عبارة عن مبنى بسيط مغطى بخيمة تستوعب ما يقرب من سبعمائة مشاهد)، كما تم تعيين الفنان القدير عبدالرحمن الشافعى أول مدير للمسرح فى سبتمبر 1971، فقام بتأسيس فرقة «السامر المسرحية»، والتى أخرج لها أهم عروضها التى تضمنت تقديم مجموعة من السير الشعبية.

وقد استمر المسرح فى تقديم عروضه حتى تعرض فى عام 1975 للحريق مع كل من خيمة مسرح البالون وخيمة السيرك القومى، ثم تمت إعادة بنائه وافتتحه الرئيس محمد أنور السادات عام 1978 بعرض «عاشق المداحين زكريا الحجاوى»، وسُمّى المسرح بهذا الاسم منذ ذلك التاريخ.

وواصلت الفرقة نشاطها حتى حدوث زلزال عام 1992 الذى تسبب فى تصدعات للمبنى، ثم تم هدمه بالكامل فى عام 2007، وذلك بعدما حسمت الخلافات حول ملكية الأرض بقرار جمهورى فى نفس العام وتخصيصها للمسرح بناء على مناشدة عدد كبير من المسرحيين والمثقفين. وأخيرًا وبعد محاولة توظيف مساحة المسرح بصورة مؤقتة لعدة سنوات، تم وضع حجر الأساس لإعادة بنائه فى عام 2021.

 

 

 

ويجب التنويه فى هذا الصدد إلى أن «مسرح السامر» لا يمثل فقط مجرد دار عرض مناسبة لتقديم العروض المسرحية والاستعراضات الشعبية، ولكنه ظل يمثل منارة فكرية ورمزًا للفنون الشعبية الأصيلة، ويكفى أن نسجل له نجاحه طوال مشوراه الفنى فى تأكيد الهوية المصرية واستلهام التراث الشعبى بجميع عروضه، ومن بينها على سبيل المثال: على الزيبق، عاشق المداحين، حكاية من وادى الملح، الليلة الكبيرة، مولد يا سيد، عنترة، شفيقة ومتولى، السيرة الهلالية، منين أجيب ناس، الشحاتين، رسول من قرية تميرة، الهلافيت، أيوب وناعسة، الأرض، أدهم الشرقاوى.

هذا بالإضافة إلى استضافته لعدد كبير من فرق الأقاليم لتقديم عروضها من خلال تنظيم بعض المهرجانات الخاصة بفرق الأقاليم، ولعل من أهم تلك المهرجانات مهرجان الـ 100 ليلة الذى نظم خلال عامى 1984، 1985 (فى عهد الرئيس الأسبق لجهاز الثقافة الجماهيرية د. سمير سرحان).

ويضيف: كما يحسب لمسرح السامر وفرقته المساهمة فى إثراء المسرح المصرى بعدد كبير من المبدعين بمختلف مفردات العرض المسرحى، سواء من المحترفين والهواة، وعلى سبيل المثال بمجال التأليف كل من المبدعين: يسرى الجندى، محمد أبوالعلا السلامونى، أمير سلامة، محمد الفيل، محمد زهدى، محمد عبدالله، محمد الشربينى، مجدى الجلاد، حمدى عبدالعزيز، عبدالعزيز عبدالظاهر، عزت عبدالوهاب.

ويكمل: وفى مجال الإخراج كل من المبدعين: إميل جرجس، عباس أحمد، حافظ أحمد حافظ، رؤوف الأسيوطى، ناجى كامل، وبمجال التمثيل كل من الفنانين: عزيزة راشد، فاطمة التابعى، سامى العدل، سامى فهمى، فاروق عيطة محمد أبوالعينين، إبراهيم عبدالرازق، أحمد مرعى، ميرفت مراد، زيزى المقدم، زيزى حافظ.

ومجال الغناء الشعبى كل من: خضرة محمد خضر، متقال، شمندى، فاطمة سرحان، جمالات شيحة، عادل عثمان وفرقته الشعبية.

 وقال: أتمنى مع إعادة افتتاح «مسرح السامر» أن تتم مضاعفة الاهتمام بفرق مسارح الأقاليم، مع إعادة الاعتبار وإلقاء المزيد من الأضواء على عروض «المسرح الشعبى» وتوجيه أنظار الجميع إلى ضرورة الاهتمام بهذا القالب المسرحى وتطويره، مع مراعاة الحفاظ على هويته وأهم سماته الأساسية، وبالتالى تكون عودة افتتاح المسرح إعلاء للقيم الفكرية والفنية وليس مجرد زيادة عدد دور العرض بمبنى جديد.

 الأثر فى الهوية

قال محمد النبوى مدير فرقة مسرح السامر: إن الأخير يمثّل قيمة كبيرة وتاريخه عريق، وقد ظلّ المسرح يعمل كمركز فى العاصمة للثقافة الجماهيرية، وكان ملتقى لكل الفنانين والمسرحيين. وعُرض فيه عدد كبير من المسرحيات لكبار الكتاب والمخرجين مثل: سعد أردش وسمير العصفورى وعبدالرحمن الشافعى، واستمر ذلك حتى حدوث زلزال 1992، الذى أثّر على المبنى، ومن ثم توقف السامر حتى إعادة ترميمه إلى يومنا هذا.

أضاف النبوى لـ«صباح الخير»: إن قرار عودة مسرح السامر الآن مهم للغاية، فالمسرح كيان مهم، ومن الضرورى وجوده لإثراء الحركة الثقافية والمسرحية، بغض النظر عن قيمة مسرح السامر فى حد ذاته، فهذا الصرح له قيمته التاريخية، وهناك أجيال كثيرة نادت بعودته مع تعاقب قيادات هيئة قصور الثقافة، وكانت هناك عقبات أمام ذلك، إلى أن قام الدكتور أحمد عواض عند توليه رئاسة الهيئة ونائبه هشام عطوة رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليًا، بمتابعة هذا الملف ووضعه فى قائمة الأولويات. والآن مع تولى هشام عطوة رئاسة الهيئة واهتمامه بملف المسرح انتهت جميع الأوراق والتراخيص، وبدأت الإنشاءات التى شارفت على الانتهاء بأفضل صورة تليق بمسرح السامر وفرقته المسرحية بتاريخها العريق.

وتابع: إن «السامر» هو المسرح الوحيد فى العاصمة للثقافة الجماهيرية، فإنتاج هيئة قصور الثقافة هو أضخم إنتاج مسرح فى مصر، ومن المفترض أن يكون هناك مكان يستقبل عروض الهيئة بشكل لائق، بالإضافة لدعاية ملائمة.

وأشار محمد النبوى مدير فرقة مسرح السامر إلى أنه بالطبع سيُحدث تغييرًا نوعيًا فى شكل العروض المقدمة، خاصة فى وجود مكان ثابت للعروض، مضيفًا: «وسيكون لدىّ خريطة وبرنامج مسبق التحضير، سيغير هذا كثيرًا من شكل تقديم العروض فى الثقافة الجماهيرية». وأحلم أن يعود السامر لتقديم عروض مسرحية تليق بالثقافة الجماهيرية وتليق بالمسرح المصرى، ويكون لدينا إنتاج ثرى من العروض الخاصة بفرقة السامر تليق بها وتليق بافتتاح المسرح، ولدينا المشروعات المعدة من أجل هذا الغرض من الآن».

 

 

 

بصمة الهوية

ولا يجوز الحديث عن هذا الموضوع دون ذكر اسم المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعى، أول من تولى إدارة مسرح السامر، وهو ما يحدثنا عنه نجله الدكتور محمد عبدالرحمن الشافعى، المخرج المسرحى، موضحًا أن مسرح السامر له خصوصية منذ إنشائه، لأن الفرق التى كانت موجودة حينها فرقة المسرح العالمى والمسرح الحديث وفرق التليفزيون، فكان السامر فكرة مختلفة، ومقرّه كان لمسرح الجليد، وهو كان أحد مسارح فرق التليفزيون، ولم يكتمل إنشاؤه فى ذلك التوقيت، بل كان هناك نوع من مسارح الثقافة الجماهيرية فى بعض المحافظات والأماكن الشعبية كوكالة الغورى والقرى الريفية المختلفة، وكان المخرجون فى هذا التوقيت لهذه المسارح يقدمون مسارح شعبية خالصة، وكان ينقصهم القالب والشكل والمساحة التى يستطيعون فيها تقديم هذه العروض.

أضاف: «ومن هنا جاءت فكرة الثقافة الجماهيرية لتخصيص مكان يحتوى كل هذه العروض. والمسرح المصرى الحقيقى المختلف، لذلك تم إنشاء فرقة مسرح السامر عام 1971، وكان لنا الشرف أن يكون والدى المخرج عبدالرحمن الشافعى أول مدير لمسرح السامر، وأكثر المخرجين الذين قدموا عروضًا على هذا المسرح فى ذلك التوقيت.

تابع: إن مسرح الستينيات كان يعتبر بمثابة عصر النهضة فى مصر، خاصة من الجانب الثقافى والفنى والأدبى وعلى جميع المستويات، وهذا هو حال الشعب المصرى دائمًا عندما يمر بأزمة تنتج عنه حالة إبداع مختلفة تحمل تطويرًا وتجديدًا. وهذا حدث بعد النكسة مع ظهور فنانين فى جميع المجالات الفنية يبحثون عن هويتهم الفنية والمصرية الخالصة، بعيدًا عن أى اتجاه سابق لهذه المرحلة، حيث كان يعتمد على ترجمات لأعمال عالمية، وكان مسرح السامر بمثابة المكان الذى احتواهم جميعًا ويقدمون أعمالهم ورؤيتهم من خلاله.

ظهر أيضًا من خلال مسرح السامر فرقة الآلات الشعبية التى أسسها الراحل زكريا الحجاوى، والتى تحوّلت فيما بعد إلى فرقة النيل التى جمعت الفنون الشعبية المصرية من الإسكندرية حتى أسوان. وهذه التجربة وجودها ساعد فى نضج تجربة السامر لأنه أصبح هناك موسيقى وأغانٍ تعبر عن الهوية المصرية مصاحبة من العروض التى تحاكى هذه الأغانى لنجد نفسنا أمام ياسين وبهية وعلى الزئبق، وغيرها من العروض الهامة من خلال الفرقة.