الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قرن من الديمقراطية القسرية!

قرن من الديمقراطية القسرية!

«بعد أكثر من قرن من الديمقراطية القسرية، أصبحت النتائج المتوقعة جلية أمام أعيننا. ارتفع الدين الحكومى إلى مستويات مذهلة، واستبدل بالذهب ورقا تصنعه الحكومة كعملة تستمر قيمتها فى التضاؤل، وخضعت كل تفاصيل الحياة والممتلكات الخاصة والتجارة والعقود لجبال من القوانين (التشريعات) أكثر من أى وقت مضى، وتحت شعار الأمن الاشتراكى أو العام أو القومى يعمل الأوصياء علينا، «الحكام» على «حمايتنا» من ظاهرة الاحتباس الحرارى والتبريد وانقراض الحيوانات والنباتات، من الأزواج والزوجات والآباء وأصحاب العمل، ومن الفقر،ومن المرض، والكوارث والجهل والتعصب والعنصرية والتحيز الجنسى ورهاب المثلية (..) وعلى ما يبدو كلما ارتفعت نفقات الأمن الاشتراكى والعام والقومى زاد تدهور حقوق ملكيتنا الخاصة وزادت مصادرة ممتلكاتنا والاستيلاء عليها وتدميرها وتراجع قيمتها وزاد حرماننا من أساس كل شكل من أشكال الحماية ومن الاستقلال الشخصى والقوة الاقتصادية والثروة الخاصة، وكلما صدر المزيد من القوانين الورقية تفاقم شعور عدم اللايقين القانونى والخطر الأخلاقى أكثر وأكثر واستبدل الفوضى بالقانون والنظام العام». 



هذه فقرة صغيرة من كتاب «الديمقراطية.. الإله الذى فشل» لهانز هيرمان هوبا، وهو أكاديمى أمريكى ألمانى المولد ينتمى للمدرسة الاقتصادية النمساوية، وفيلسوف لليبرالية القديمة واللاسلطوية الرأسمالية. وأستاذ الاقتصاد فى جامعة نيفادا فى لاس فيجاس.

 هذا الكتاب يخرج من معقل الديمقراطية الأمريكية ليؤكد أن الديمقراطية التى تحولت بشكل ما لغطاء للرأسمالية المتوحشة، خصوصا بعد التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها الغرب، أصبحت محلا للنقد والتفنيد والمراجعة، كما باتت محلا لدراسات وصفت المزاعم بأن هذا النظام الذى ادعى فوكو أنه نهاية العالم، ليس إلا وسيلة أخرى للدعاية للنظام الرأسمالى الديمقراطى فى مواجهة نظم أخرى مثل النظام الاشتراكى فى الاتحاد السوفييتى خلال الحرب الباردة. 

ولكن هذا لا يعنى أن هوبا يرى البديل فى النظم الملكية الوراثية أو النظم الاشتراكية، بل فى نظام بديل يسميه النظام الطبيعى؛ أى نظام التنافس الحر والتعاون الطوعى بين الأفراد القائم على احترام الملكية الخاصة بعيدا عن وجود دولة تحتكر القوة والموارد الطبيعية ومصادرة أملاك الناس، ويسمى هذا المجتمع «مجتمع الرأسمالية اللاسلطوية». 

هذا صوت واحد من أصوات عديدة لا ترى فى نقد الديمقراطية حرامًا أو عيبا، بل بالعكس، بل تراها واجبا وضرورة؛ إذ ترى أن شرورا كثيرة تتسبب من خلف الديمقراطية وبينها فكرة الانتخابات نفسها، أى مفهوم فكرة التمثيل، ويضرب مثالا يقول إننا لو تخيلنا العالم قد تحول ليكون دولة واحدة وخضع اختيار رئيس للانتخابات فلا شك أن الرئيس المنتخب لمثل هذه الدولة الكوكبية لا يمكن أن يخرج عن أى من الصين أو الهند، لأنهما سوف تمتلكان أغلبية الأصوات بلا منازع. 

ومرة أخرى أكرر، هذا النقد الغربى لا يهدف لدعم الديكتاتوريات أو الملكيات مثلا، بل هى محاولة للتفكير، والتأكيد على أن العالم الغربى «الديمقراطى» لا يخشى من التفكير  وانتقاد حتى ما يبدو للجميع أمرا متفقا عليه. ومرة أخرى علينا أن نعيد مراجعة وفحص وفهم كل المفاهيم التى كنا لعقود ولا زلنا نرددها بوصفها الحقيقة الوحيدة، بينما تفاجأنا الوقائع على الأرض بأن الأمور العملية تختلف كثيرا عن النظريات، وأن النظرية التى تنجح فى ظروف محددة قد لا تتناسب مع ظروف دول أو بيئات أخرى. والدرس الساطع للجميع اليوم يتمثل فى أن أى دولة تحتاج لكى تنهض إلى «رؤية» تصيغ بها استراتيجية لتأمين تحقيق هذه النهضة ومؤسسات تمتلك آليات تنفيذ هذه الاستراتيجية، مع توفير كل سبل الحياة الشخصية بكرامة مع توفر جميع حريات التعبير والتملك والتفكير باعتبارها حقوقا أساسية لكل مواطن. 

وباختصار، ولضيق المساحة، يمكنكم أن تعدوا هذا المقال دعوة لقراءة كتاب «الديمقراطية.. الإله الذى فشل» ترجمة د.إيمان معروف ومراجعة د. نادر كاظم، لأنه كتاب متفرد وشديد الأهمية.