الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الفهلوة بين الأصالة والمعاصرة

الفهلوة بين الأصالة والمعاصرة

خط رفيع يفصل بين الذكاء والفهلوة. والفهلوة فى مصرنا العزيزة ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل هى قديمة عتيقة وتكاد تكون سمة من سمات الحياة. ولكن شتان بين الفهلوة الحميدة وتلك الخبيثة الآخذة فى التغول والتوغل بسرعة وكثافة مرعبة. وفى قاموس المفردات، ترد كلمات عديدة تعنى المقصود فى هذا المقال. نصب، احتيال، سرقة متناهية الصغر، ضحك على الذقون، بيع الهواء فى زجاجات، دهن الهواء دوكو والقائمة تطول. طول القائمة أو قصرها لا يخفف من وطأة آثار هذا التوغل المرعب للفهلوة. مسألة «نقل» أو «اقتباس» أو «سرقة» لوحات فنية بحذافيرها تحدث فى جميع أنحاء العالم منذ عرفت البشرية الفنون. لكن ما لم يعرفه العالم هو الدفاع المستميت وبوجه مكشوف عن هذا «الاقتباس» غير القانونى والذى يصل إلى درجة التطابق حيث لا مجال للقول إن الأفكار متشابهة أو ان توارد الخواطر وارد. هذه القدرة الغريبة المريعة هى سمة شديدة المحلية على ما أعتقد. بالطبع هناك من يسرق أفكار ومجهود وإنتاج غيره فى دول عدة، لكنها إما لا تمضى هكذا دون عقاب صارم وحاسم وحازم، وإما إنها تتم بقدر أوفر من الشياكة حيث احترام عقلية المتلقي. أما هذا القدر من «البجاحة» فأعتقد أن فيه تفرداً وتميزاً يضعنا فى مرتبة مختلفة. وحتى لا نتحامل على نصاب دون آخر، أو فهلوى متعجرف أكثر من غيره، نقول إن الفهلوة أصبحت آفة وعلة قاتلة. فى أوقات الأزمات حيث ضيق ذات اليد أو قلة الموارد وشح فرص العمل أو ما شابه، تفرض الفهلوة نفسها وسيلة إنقاذ. البعض يسميها تحبباً وتودداً «أفكاراً خارج الصندوق» أو «ابتكارات شديدة المحلية» أو «الشاطرة تغزل برجل حمار». وعلى مدار التاريخ، ظل هناك خط واضح إلى حد كبير بين الفهلوة الطيبة المقبولة وتلك الشريرة المرفوضة (مرفوضة فى مجتمعات أخرى لا تمت لنا بصلة). ولأننا محترفون فى خلط الأوراق، فإن عذر «الغلب» القاتل كثيراً ما يجد نفسه بطلاً فى مواقف قليلة يعترض فيها البعض على هذه الفهلوة باعتبارها غير قانونية أو ظالمة للآخرين أو تتعدى على حقوقهم وحرياتهم، ثم تسارع الغالبية فى تبرير الفهلوة لا سيما لو كان الفهلوى «غلباناً». خذ عند مثلاً عزيزى القارئ سائق التوك توك غير المرخص الذى يسير عكس الاتجاه ويفرض تسعيرة حسب مزاجه إلى آخر المنظومة المعروفة والتى يندرج جميعها تحت بند الفهلوة. يتم إيقافه فى لجنة مرورية، وبينما القانون يأخذ مجراه، إذ بجماهير الشعب الغفيرة تستحلف الضابط أو الأمين أن يدع الفهلوى وشأنه. لماذا؟ لأنه غلبان. ولأنه يفعل كما يفعل الآخرون. ولأنه لو لم يمارس فهلوته «الحميدة» تلك، فسيتحول إلى الفهلوة الخبيثة من سرقة ونهب ومخدرات وغيرها. وطالما المنطق غائب فى مصرنا العزيزة، فإن محاولات فك الاشتباك وإنهاء الارتباط  بين الفهلوة من جهة والشطارة والحذاقة والمهارة من جهة أخرى لا طائل منها. اللافت فقط أن الفهلوة المعاصرة صارت جهرية متعجرفة متحذلقة.