الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الكلام الذى يسعد القلب

الكلام الذى يسعد القلب

جمعنى لقاء مع الكاتب الراحل جمال الغيطانى، رحمه الله، حدثنى فيه عن زيارته مع فريق أخبار الأدب إلى قلب الهرم الأكبر، وقضاء ليلة فى داخل الهرم.



وضح لى تفاصيل تجربته قائلاً: «نمت الليلة الأولى بمفردى وغرقت فى ظلام دامس، وهى تجربة من أعمق التجارب الصوفية التى مررت بها. كنت قد عرفت أشكالاً كثيرة من الظلام. على الجبهة فى الحرب وفى الخنادق، لكنى شعرت فى داخل الهرم أن الظلام له ملمس. له وبر. وفى العادة تعتاد العين العتمة تدريجيًا. لكن فى الهرم هذا غير ممكن. ثم تجد أنك بمرور الوقت تفقد الإحساس بجسمك. تصل إلى لحظة لا تعرف فيها إذا كان الطرف الذى تقوم بتحريكه يمت لك بصلة أم لا. ثم تفقد إحساسك به، فتصبح جزءًا من العتمة، مجرد وعى». 

حدثنى عن قراءاته فى علوم المصريات، وكيف أن الطلبة فى المدارس فى الخمسينيات كانوا يتلقون فى علوم المصريات ما يفوق ما يدرس فى الجامعات فى العصر الراهن، وأثر ذلك على ارتباط الطلبة بحضارتهم. وكشف عن اطلاعه على كتابات «يان أسمان» الذى يصفه بأنه أحد أعظم علماء المصريات ودوره فى فهم جانب الفكرة العقائدية فى حضارة مصر القديمة التى سبقت الأديان فى وضع تصورات عن الثواب والعقاب كما تكشف رسومات فى مقابر عديدة.

ثم أضاف قائلاً: وبدأت أبحث عن مقارنات بين شكل السلطة فى العصر الفرعونى وبعض أنماط السلطة فى عصر المماليك.

فسألته: ألا تعتقد أن فكرة القمع صعب تصورها على مجتمع أنتج مثل تلك الحضارة؟

قال: لا أريد تبسيط الأمور أكثر من اللازم، لم يكن هناك قمع. كانت هناك عقيدة يتحرك الجميع فى إطارها.

أجريت هذا الحوار فى عام 2007، فى مرحلة كنت ما زلت أرى فى الديمقراطية صنمًا يجب عبادته، وأنه المفتاح السحرى للنهضة. ولم نكن قد خضنا تجربة ثورة 25 يناير التى كشفت لنا الكثير من الأوهام. وبينها أن الديمقراطية ابتدعت كوسيلة لتنظيم تداول السلطة ولكنها ليست منهجًا لبناء المجتمعات. وغيبت هذه السذاجة الرومانسية عن وعيى أن البناء والنهضة نتاج الرؤية المستقبلية والخيال والعلم. وهو درس التاريخ الذى يوضح بكل جلاء أن المجتمع الديمقراطى، فى غياب الرؤية المستقبلية، وغياب جمهور متعلم أيضًا، يمكنه أن يتحوّل إلى مجتمع فاشل، وفاشٍ أيضًا. فى الغرب تم بناء المؤسسات الاستراتيجية التى تحقق النهضة، بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تغليف ذلك بإطار سياسى يجعل من الأحزاب مؤسسات تفرز قيادات دولة تتعاقب على تنفيذ الاستراتيجية، وفى الصين تم إنتاج نظام مختلف يقوم على حزب سياسى واحد يمتلك رؤية مستقبلية يتعاقب على تنفيذها رؤساء الحزب والدولة بالتالى. 

وهنا لست أدافع عن الديكتاتورية كما قد يتصور بعض من يرون الحياة من منطق ثنائيات الحلال والحرام، ولكن فقط ألفت الانتباه إلى أننا يجب أن نراجع أفكارنا ونبحث عن أدوات تحقيق النهضة وفق ظروفنا وثقافتنا بما يضمن تحقيق الحريات الفردية لكل مواطن، وأن نبحث عن كيفية بناء المؤسسات الاستراتيجية المستديمة التى يمكنها أن تنهض بنا ونتجاوز بها إخفاقاتنا لأجل أن نرى مصر المجتمع الذى نحلم به جميعًا.