الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
وراء كل عدد قصة

وراء كل عدد قصة

هى بالتأكيد رؤية مختلفة، والغريب أنها ليست جديدة، السكان ليسوا مجرد أرقام أو أعداد، وراء كل رقم حكاية، وخلف كل عدد قصة إنسان. لكن جرى العرف، وربما بسبب ضغوط الحياة من اقتصاد وسياسة وبيئة ومعيشة وغيرها، أن ننظر إلى عدد السكان باعتباره إما قنبلة مخيفة تهدد بالانفجار أو تنفجر أمام أعيننا بالفعل، أو مكمن خوف وقلق شديدين لأن السكان آخذون فى التقدم فى العمر دون أن يعادل ذلك بمواليد جدد.



العدد كبير جدًا، العدد قليل جدًا، السكان متقدمون جدًا فى العمر، السكان صغار جدًا فى السن وقائمة المشكلات السكانية التى تتعامل معهم باعتبارهم أعدادا طويلة، وصارت كلاسيكية.

تقرير حالة السكان فى العالم 2023، وهو التقرير الذى يصدر سنويًا عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، يدعونا لنتعامل مع السكان وأعدادهم من منظور مختلف، إنه منظور الحقوق والاختيار.

حق الشخص فى اتخاذ قراراته الإنجابية يجب أن يحترم، لكن تبقى المعضلة الرئيسية، ألا وهى الاختيار المسئول والمبنى على معرفة وإلمام، وليس المرتكز على عناصر البركة والعيال بييجوا برزقهم.

التقرير يحمل عنوان: «ثمانية مليارات نسمة وإمكانات لا متناهية: قضية الحقوق والاختيارات»، والجزء الثانى من العنوان مربط الفرس، المخاوف السكانية أصبحت سمة من سمات الحياة اليومية. الجميع - بمن فيهم المتسببون فى الأزمات والمشكلات السكانية- يتحدثون عن هذا الخطر الداهم المسمى بالسكان.

وحكومات العالم تلجأ بشكل متزايد إلى اعتماد سياسات تهدف إما إلى زيادة معدلات الخصوبة أو خفضها أو الحفاظ عليها.

معدلات إنجابهم، أو الإبقاء عليها كما هى، يتم التعامل معهم كأنهم ماكينات إنتاج لا تحتاج إلا إلى الضبط.

ولأن التعامل مع البشر باعتبارهم مجرد أعداد، يجب أن تزيد أو تقل أو تبقى على حالها، وليس كأفراد لهم أولويات واحتياجات وقدرات على اتخاذ القرارات غالبًا يؤدى إلى فشل السياسات، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان يدعو القائمين على أمر العالم، من حكومات وقادة ومتخذى قرار، وكذلك أصحاب الشأن أنفسهم، ألا وهو السكان، أن يعيدوا النظر فى قواعد التعامل مع «القلق الديموغرافى» الذى يجتاح العالم اليوم لأسباب مختلفة. 

التقرير يدعونا إلى إجراء عملية إحلال وتبديل، فبدلاً من الإغراق فى البحث والتساؤل عن معدل تكاثر السكان، البحث عن معدل الحرية المسئولة والقدرة على اختيار قرارات الإنجاب. فهل نحن نتمتع بهذه الحرية؟ وهل نحن حين نتخذ قرار الإنجاب أو عدم الإنجاب، نتخذ هذا القرار بناءً على حرية شخصية حقيقية قائمة على معرفة؟ أم أنها حرية «وخلاص»؟ أم أنه لا توجد حرية من الأصل؟ 

أسئلة كثيرة يطرحها التقرير للنقاش والتفكير. وكما يطرح أسئلة، يطرح مفاتيح تساعد على الخروج من متلازمة العدد والسكان، تمكين النساء والمساواة والتكافؤ مفتاح، انخفاض المواليد ليس السبب فى شيخوخة السكان، شيخوخة السكان سببها أن متوسط الأعمار ارتفع، السكان أعداد وليسوا أفرادًا. ووراء كل «عدد» قصة إنسانية ربما تعانى نقص الحقوق وشح الاختيارات.