الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الذكاء الاصطناعى أمامكم.. ولا مفر !

بلاد بره

الذكاء الاصطناعى أمامكم.. ولا مفر !

ما عشته وما عايشته فى الفترة الأخيرة من نقاش عام كان مقلقًا للغاية حول الذكاء الاصطناعى واستخداماته العديدة. أمر لا يمكن تجاهله أو الإقلال من شأنه أو التطنيش عليه.



كل يوم نقرأ ونسمع أخبارًا عن خطوات أو إجراءات يتم اتخاذها من أجل احتواء الخطر..أو إرجاء تأثيره أو تقليل تبعاته المنتظرة فى المستقبل القريب والبعيد. اجتماعات ونقاشات تشمل قيادات شركات تكنولوجيا المعلومات وأصحاب التشريع والقرار (الكونجرس والبيت الأبيض) فى الولايات المتحدة الأمريكية.

فى السطور التالية أحاول أن ألتفت لملامح عديدة فى هذا النقاش الدائر والمحتدم والمستمر بلا شك..حول ما نعيشه فى علاقتنا مع الذكاء الاصطناعى.

 

أولا: طبيعة الخطر مختلفة.. ومن ثم طريقة التعامل معه غير تقليدية. فلم يعد الخطر فقط متمثلا فى مضمون المحتوى وتداعياته الأخلاقية والقيمية (كما اعتدنا القول).. أو الخطر المتصل بخصوصية الشخص وأسراره وتعرضها للانتهاك من جانب التطور التكنولوجى. 

ثانيا: إننا فى مواجهة شرسة مع تداعيات الذكاء الاصطناعى..وحذار من إغواء ما يتغلغل فى حياتنا باسم التطور التكنولوجى.

ثم.. لابد من التحرر من إدماننا للسوشيال ميديا وكل أخواتها.. والخطر حقيقى وليس افتراضيًا.. وليس أكذوبة الغرض منها إبعاد الناس والشعوب عن التطور التكنولوجي 

ثالثا: صحيفة «نيويورك تايمز» وعلى الصفحة الأولى قدمت مؤخرًا  تقريرًا صحفيًا عن جيفرى هينتون الأب الروحى للذكاء الاصطناعى الذى قرر أن يترك عمله بجوجل العملاقة ويحذر من المخاطر المقبلة بسرعة نحونا. ببساطة المطلوب تقنيًا التعامل بحذر وليس الاندفاع وعدم ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعى المخيف. لنحو نصف قرن انكب جيفرى هينتون على ابتكار وإيجاد التكنولوجيا التى أوصلتنا لتطبيق التشات جى بى تى. وهو الآن قلق بما قد تأتى به الأيام.. خاصة لما نعيشه ونشاهده هذه الأيام من إغواء وإغراء ابتكارى تكنولوجى ذكائى اصطناعى يحاصرنا من كل جانب ويكاد يطلب منا أن نرفع العلم الأبيض استسلامًا لما هو آت.. وآت بقوة وحسم!! ليفكر ويكتب ويرسم ويتكلم ويحب ويكره بدلا منا.

رابعا: لسنوات طويلة كانت المشكلة أن يكون لديك التطور التكنولوجى.. ولهذا تصور أو توهم البعض بأن طالما امتلكه صار ابن زمنه وعصره الحديث.. خاصة أن التطورات التكنولوجية صارت سهلة الامتلاك وسلسة الاستعمال.. وهنا لا أنسى أبدا ما  قاله لى أحد المتخصصين فى التصوير التليفزيونى وهو يبين لى أحدث الكاميرات المستخدمة فى هذا المجال.. ذكر بالحرف الواحد: الجهاز التكنولوجى الحديث أن لم يكن سهل الاستعمال.. أو بتعبير آخر لا يمكن أن يستعمله أى شخص بسهولة لن يجد قبولا ورواجًا فى الأسواق..

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

المشكلة الآن لا تكمن فى امتلاك التطور التكنولوجى الخاص بالذكاء الاصطناعى.. بل فى كيفية استعماله.. تلجيمه أو تطويعه لخدمتك والاستفادة منه بقدر المستطاع. 

خامسًا: تحذيرات وتنبيهات تقول لنا وقد تساعدنا فى زيادة وعينا وإدراكنا تجاه ما هو آت.. إن الخطورة لا تتمثل فى الأداة المستخدمة من جانب الإنسان ولكن فى السلوك البشرى الخاضع المستسلم لهذه الأداة أو التطور التكنولوجى.. وما قد يأتى فى المستقبل من جراء الذكاء الاصطناعى.. كما أن الأمر لم يعد مجرد خيال علمى أو ما كان يتخيله البعض من تواجد الروبوت الإنسان الآلى بشكله الغريب فى حياتنا اليومية. إنما صار واقعًا ننزلق إليه من خلال لمسات على هواتفنا الذكية. وأرجو الالتفات هنا إلى أن كل ما دخل من تطورات تكنولوجية افتراضية خلال السنوات الماضية تم توصيفه بأنى ذكى ولهذا صار أمرًا مبهرًا وجديرًا بالاهتمام والاحترام الذى يليق بوصف الذكاء. 

سادسا:حتى تتضح الأمور بشكل أكبر فإن التحدى الحقيقى لم يعد فى قدرتنا على امتلاك أو استعمال هذا التطور التكنولوجى السريع والمتنامى وإنما فى قدرتنا على حماية أنفسنا من تحولنا لعبد ذليل لهذا التطور اللاهث.. وأن نفقد إنسانيتنا.. استقلاليتنا فى استعمال أو عدم استعمال هذا التطور.. أو التوقف عن استخدامه إذا لزم الأمر.. أو على الأقل التخلى عن إدمانه..وتطهير أنفسنا من شروره.

سابعًا: ما يلاحظ فى هذا النقاش ويجب التنبيه له أن اهتمام صفحات العلم فى الصحافة الأمريكية ليس منصب فقط على الإنجاز العلمى بابهاره وتفوقه الابتكارى.. بل على ثقافة هذا الإنجاز العلمى وتبعاته فى حياة الإنسان. كيف سيتأثر الإنسان بنفوذ هذا الإنجاز العلمى.. ما الذى سوف يضيفه لحياة الإنسان.. وما قد يؤثر سلبًا أيضًا على تلك الحياة! 

والنقاش مستمر