الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صداقة الأشياء

على فكرة

صداقة الأشياء

هل يمكننا أن نتعرف على قوة الحياة الكامنة فى الأشياء من حولنا؟، الملابس، والخزانات، وقطع الأثاث بل حتى جسد شمعة صغيرة يشتعل بدفقة من نور؟



تقول مارى كوندو فى كتابها« سحر الترتيب» الذى تصف فيه فنها اليابانى فى تحويل المنازل الفوضوية إلى مساحات مفعمة بالجمال والإلهام: «أسلوب عيشى يمنحنى السعادة»، و«لاجدوى من الترتيب إذا لم يجعل مساحتنا، والأشياء التى فيها مصدرا للفرح»، وتقول أيضا: «احتفظ بتلك الأشياء التى تتحدث إلى قلبك، وتخلص من كل ما تبقى».

وترى أن طى الملابس فى حد ذاته يعنى حوارا معها، وترتيب المنزل هو السحر الذى يُفضى إلى حياة نابضة وسعيدة.

ويبدو أن هذا السحر فى ترتيب الأشياء والمنازل قد لفت أنظار الأدباء والفنانين فسجلوا فى آثارهم الفنية ما يدل على ذلك فقد تحدث الفيلسوف الفرنسى جوستاف باشلار فى كتابه «جماليات المكان» عن الأحلام التى ترافق هذه الأعمال المنزلية، وهى تقوم بمراقبة يقظة للبيت إذ تربط ماضيه بمستقبله لتصونه فى طمأنينة الوجود.

لكن كيف تتحول الأعمال المنزلية إلى فعل خَلاَّق؟

يقول باشلار: «فى اللحظة التى نضيف فيها لمحة من الوعى إلى عمل رتيب، حين نلمع قطعة من الأثاث القديم فإننا نشعر بانطباعات جديدة، تتولد تحت السطح من هذا العمل المنزلى المألوف».

و«جماليات المكان» من أهم كتابات باشلار، وقد ترجمه إلى العربية غالبا هلسا، ويهتم الكتاب اهتماما بالغا بمفردات الحياة اليومية التى يمكنها أن تلهم الشعر والفن بالكثير بل إن تجعل الإنسان أكثر سعادة فى بيته رمز الحماية والأمان، ويورد باشلار عدة قصائد شعرية تصف سحر الترتيب منها قصيدة للشاعرة كوليت فارتس تقول فيها: «النظام، الانسجام/ أكوام الشراشف فى الخزانة ورائحة الخزامى فى البَيَّاضات».

أما الشاعر أندرية بريتون فيصف دولابه قائلا: (الخزانة ملأى بالبَيَّاضات/ وفيها/ حتى أشعة القمر التى أستطيع بسط طياتها». ويروى باشلار ما كتبه الشاعر النمساوى ريلكة فى كتابه «رسائل إلى موسيقية» فيحدثها عن أثر الترتيب والتنظيف على صلته بالموسيقى لأول مرة إذ تعرف على نغمات البيانو وهو ينظفه، حين أطلق همهماته الميكانيكية، وكان سطحه الجميل الأسود يصبح أكثر جمالاً، ويقول لها: «حين تمرين بهذه التجربة فإن أبواب المعرفة تنفتح أمامك».

أما الروائى الفرنسى هنرى بوسكو فى روايته «حدائق الزنبق» فيصف بطله وهو يُعيد اكتشاف الأشياء فيقول: «الأصابع العجوز والكف العريضة استخرجت من الكتلة الصماء بأليافها الميتة قوة الحياة الكامنة فيها.

ويرى باشلار فى هذا الوصف احتفاء بالأشياء التى ينبغى أن تُعامل بكل الحب لتتخلق من جديد فى ضوء حميم.

.. يمكننا اختبار الفرح، والعيش وحولنا الأشياء التى نحبها، والتى نالت المعاملة الطيبة من تجديد وحرص وعناية لننعم دائما بصداقتنا مع الأشياء.