الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بريميــــــيرا

حفل الافتتاح بهيج لكن الكوابيس تهاجمه يرى فيها كل شىء مشتعلا، البيوت والشوارع والسيارات والأشجار والوديان والجبال والمحيطات، شعور الممثلات وملابس الضيوف وكاميرات التصوير، تذكَّّر دعوة أمه أن يُشعل فيلمه الأول الدنيا. فكَّر أن الترجمة الحرفية للدعاء لن تجعل النار تمسه، وعلى أثر ذلك الخاطر برد قلبه وظلت ألسنة اللهب تتراقص. استرد أنفاسه، استجمع قواه، وابتسم للجمهور.



 

كذبة بيضاء

أرتدى قميص الكاروهات وهى ترتدى فستان الحداد الأسود، لا بد أنه كذلك، فالذى يتزوج ست الحسن والجمال هذه لا يمكن أن يسمح لمخلوق برؤيتها! أرملة صديق لا أذكره! قالت إنه كتب اسمى وعنوانى فى وصيته لأكون لها خير عون فى الملمات. انتقلت إليها على الفور، هدأت من روعها طيبت خاطرها مسحت دموعها، توليت إدارة شئونها بمعرفة أصدقائى من السماسرة. أصابنى من الحظ السعيد نصيب حتى أننى أخذت إجازة بدون مرتب. تقول: المرحوم لم يكن يثق إلا بك. وتقول: الله، ذوقك جميل فى كل شىء. وأقول فى اندفاع صادق: ربنا مسبب الأسباب أحرص ألا أكون مملًا. تضحك فى صحبتى كثيرًا. وخطر لى أن أؤلف مقالة تؤكد أن الأمان الذى تحتاجه المرأة هو فى الأصل أن تضحك كثيرًا ولا تكتئب. وأتأمل فى نفسى المعنى: المرحوم لم أقابله إلا مرة واحدة فى حياتى مع صديق مشترك وفى عارض الكلام تحدث عن عزمه الزواج من سيدة جميلة فنصحته بتلقائية: «حذار، لا بد أن تكون جميلة نعم، لكن احبسها وسد حولها المنافذ ولا تأمن لها فى مال أو فى معارف. النساء خفيفات العقل ولا أمان لهن!»، والمؤكد أن ما قلته يوما لم يكن بنية التفلسف أو القهر أو الغيظ، بل يشهد الله أنها كانت نصيحة خالصة تنصلح بها الأحوال!

مزاجى

صاح الديك وورقة التقويم تقول إنه اليوم. سأقابلها اليوم لتضع على رأسى تاج المحبة المرصَّع بحكمة أفلاطون. ولسوف أتوقف، بعد اللقاء، عن عاداتى اليومية ولسوف أخشع لسماع تكبيرات المصلين من الجامع ولسوف أقنع من متاع الدنيا برائحة طعامها المُجهَّز وقت العصارى. اليوم مثل كل يوم لكن ليس كأى يوم. تفاهمت الموجودات والظروف على الهدنة حتى لا تقطع تأملاتى وبادلت السلام العام بنوبة كرم تمنيت فيها الخير للعالم وتوهمت أن العيد لا بد أن يزور كل البشر فى كل مكان. آن للحذاء المخبوء أن يخرج. والقميص المُدَّخر للمواعيد المهمة. هذه قنينة عطر لم أفتحها قبل الآن. هناك يا حبيبتى شىء واحد يلامس وجهى قبل يدك. طبعًا انتظرت حتى بردت الشمس فى المغيب وفكرت أن أصنع من خطابها صاروخًا ورقيًا أرمى به وسط حشد السأم المتجمهر تحت سقف دخانى. إن كان لا بد من الموت، فليكن سريعًا ومفاجئًا، كالموت بشظية حرب!

أصحاب السوابق

اكتسبت شهرة دنيئة كالبارمان المهذب الخبير بطبائع النفوس، شهرة القناص الفنان الذى يستطيع أن يشدك بخيوطه الذهبية ويحتفظ بك، وعندما أعرف عنك أخطر أسرارك؛ أكتب عنك رواية جديدة فأجعل منك طعما أرميه فى السوق لأصطاد به عشرة قراء آخرين. وأنا متخصص فى بيع الكلام. خاطبت الوجوه فى الطريق، وصادقت الخيال. عانقت الأماكن، وغازلت الزمن حتى استقر دوران الساعة. الذهاب للمكتب دون حماس والعودة إلى البيت دون تغيير. لا احتفاء بالماضى ولا كراهية له. توازن إيجابى بين سلبيات، ودليل انتصار أخير على القلق الوجودى. وفوز الموت الزاحف مع متاعب القلب ووجع المفاصل. الشمس تهوى للمغيب فاقدة مهابتها وآن للعيون أن تحدق بها كما تنظر إلى صورة فى محل أنتيكا. أقرأ أقل وأكتب أقل وأقل. لا بركة فى النهار وإذا دبَّت فى الوهن حركة توثَّبت معها بقايا الروح تتعلق بوجه جميل فى لمحة خاطفة يضيع بعدها فى الزحام مخلفا وراءه صدى سؤال: هل يمكن أن نبدأ من جديد؟ ولكنها مجرد حركة طارئة كتشنج الخنصر إذا اصطدم الكوع بذراع المقعد. ها هو العازف الصبور يهيم فى الضجر بحثا عن نغمة ضائعة.

كبدة

يرتدى القميص والبنطلون ويخرج بحجة شراء شىء ويعبر الشارع إلى عربة بائع الكبدة والسجق ليبتاع (خمس أنصاص كبدة) بجنيه ونصف، كان السندوتش بثلاثين قرشًا فى 1997 ولا يأكل عند الرجل حتى لا يراه أحد، يتناول كيس الشطائر فى يده ويتمشى خلف المحلات والطريق بجوار سور المدرسة يلتهم السندوتشات الحريفة الشهية مع المخلل حتى يشرق بقرن فلفل لا يجرؤ أن يرميه ثم يعود إلى الدار وفى باطنه يختلط الشبع بالعطش وحرارة الفم والرضا بالندم وتقليب الخواطر العكرة، لأنه لا يجرؤ أن يقول فى البيت أنه جائع ولا يعرف لماذا لا تتصاعد من مطبخهم الروائح الشهية التى يشمها بالخارج وتتسلل إليه من الشرفة ويعرف أنها فى بيوت الآخرين.

الفراديس

الحب بطولة استثنائية منذ الأزل وفى عرف كل الأمم، غير أنهم جعلوه بمثابة تجربة خروج من فردوس إلهى إلى حضيض دنيوى. أما حبى لها الذى سكن العقل بعد القلب فكان منفى بين الناس يحرمنى راحة البال بحجة التنصل من الأغلال لأعيد إنجاب قصتى معها فى أوطان أخرى من حبر وزوايا الحروف. وهو ما يعنى أننا نموت فى كل مرة نهجر فيها من نحب صدقا ويمضى الجسد ليمارس دوره فى خطط الآخرين ونحن ثابتون فى مكان الحلم القديم مكتفين فى الحاضر بهوية رمزية.