الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عائشة راتب.. حلم بات حقيقة

عائشة راتب.. حلم بات حقيقة

عشرون عامًا مضت على تبوء المرأة المصرية منصة المحكمة الدستورية العليا باعتبارها أعلى هيئة قضائية فى مصر، وأحكامها نهائية لا تقبل الطعن أو الاستئناف، ورغم تأسيسها عام 1979 إلا أن المرأة لم تعتل منصتها سوى عام 2003 حين صدر القرار الجمهورى بتعيين المستشارة تهانى الجبالى نائبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا فى حدث تاريخى آنذاك. وفى هذا الشهر أيضًا نحتفى بذكرى اعتلاء السيدة المستشارة فاطمة قنديل كأول قاضية على منصة القضاء فى قضايا الجنايات فى 19 مايو 2019 كعضو شمال لهيئة محكمة جنايات القاهرة.



وفى صفحات يسطرها التاريخ أصدر الرئيس السيسى توجيهاته لقبول المرأة فى منصتى النيابة العامة ومجلس الدولة، لتصل أعداد قاضيات مصر لحوالى أربعة آلاف قاضية، فى طفرة غير مسبوقة فى العهد الذهبى للمرأة المصرية، فنجد قاضية على منصة المحكمة الدستورية العليا وثلاث قاضيات بهيئة المفوضين، وفى القضاء العادى بلغ عددهن 136 قاضية، انتدبت منهن إلى النيابة العامة 17 قاضية، وفى مجلس الدولة عينت 137 قاضية، أما فى الهيئتين اللتين أكرمتا نساء مصر بتشريفهن لهما، فوصلن 1004 فى هيئة قضايا الدولة، وعدد 2315 عضوة فى النيابة الإدارية.

مسيرة كفاح خاضتها المرأة المصرية لتبلغ مبتغاها بالوصول لجميع الهيئات القضائية دون تفرقة أو تمييز مع الرجال كحق دستورى أصيل، وقد أدركت هذا الحق ونادت به منذ أكثر من سبعة عقود أستاذة القانون الدولى المناضلة الدكتورة عائشة راتب، والتى تقلدت أرفع المناصب كسفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية، لكنها حرمت من تحقيق حلمها فى اعتلاء منصة القضاء، حين تقدمت للتعيين فى مجلس الدولة، لكن رفض طلبها من رئيس الوزراء حسين سرى باشا لتعارض رغبتها مع تقاليد المجتمع، فرفعت أول دعوى قضائية من نوعها فى مصر للطعن لانتهاك حقوقها الدستورية، لكنها خسرت القضية لأسباب سياسية وثقافية وليست بناء على القانون، وهذا اعتراف المستشار عبدالرازق السنهورى رئيس مجلس الدولة آنذاك.

لم تيأس أو تحبط عائشة راتب بل تركت مسيرة حافلة من الإنجاز العلمى والعطاء الوطنى، كنموذج قدوة وفخر للمرأة المصرية، عينت معيدة بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وحصلت على درجة الدكتوراه من فرنسا عام 1955، وهى أول أستاذة للقانون الدولى، وشرفت بالتتلمذ على يديها فى كلية الحقوق. ولم يقتصر دورها على أستاذيتها فى الجامعة وتخريج أجيال، وإنما تبوأت منصب وزيرة للتأمينات والشئون الاجتماعية كثانى امرأة تعين فى الوزارة المصرية عام 1971، كما أنها أول سفيرة لمصر فى الدنمارك عام 1979، ثم ألمانيا الاتحادية عام 1981، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1995، ومن إسهاماتها المشاركة فى صياغة الدستور المصرى عام 1971 باعتبارها جزءًا من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، وانضمت إلى جمعية هدى شعراوى وكل الجمعيات التى كانت تطالب بحقوق المرأة وقتها فى مصر. 

حلم راودها لتفوقها لكن عادات وتقاليد مجتمعية بالية حرمتها منه، لكن بنضالها وإدراكها لهذا الحق الدستورى، تحقق لبناتها، لتوافر إرادة سياسية مستنيرة واعية أعطت المرأة الحق فى تقرير مصيرها ومستقبلها كحق دستورى أصيل. شكرًا لمن أنصف ودعّم وساند ليسطر صفحات ناصعة فى عهد الجمهورية الجديدة.