الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أم كلثوم والمجهود الحربى

أم كلثوم والمجهود الحربى

أعتقد أننى لم أقرأ منذ فترة طويلة كتابًا له أثر وجدانى وعاطفى كبير، رغم أنه يعد كتابًا تاريخيًا وتوثيقيًا، مثل كتاب «أم كلثوم والمجهود الحربى» للباحث كريم جمال الذى قدم توثيقًا تفصيليًا لجميع جهود سيدة الغناء العربى وكوكب مصر والعالم العربى السيدة أم كلثوم خلال فترة حرب الاستنزاف من أجل دعم المجهود الحربى للجيش المصرى.



جاء الكتاب، الصادر عن دار ومكتبة تنمية، ليفتح الستار، خصوصًا للأجيال الجديدة، التى تستقى معلوماتها من تغريدات تويتر، وتعانى تشوهات مؤلمة فى معرفتها بتاريخ مصر المعاصر، على رحلة كفاح تمتزج بالفن والعاطفة الوطنية المخلصة، وبالدروس الثمينة التى كانت تقدمها سيدة فى السبعين من عمرها، راحت تتنقل بين دول العالم لتغنى باسم مصر، لجموع العالم العربى، وتنجح فى كل رحلة أن تجمع دعمًا ماليًا، ثمينًا، بقياس الواقع الاقتصادى العالمى لتلك الفترة، وتزيد من لم شمل وحدة العرب خلف قضيتهم العادلة، وأملًا فى تحرير الأرض المغتصبة من الاحتلال الصهيونى وإعادة الأرض لأصحابها. 

قدم كريم جمال جهدًا دؤوبًا مخلصًا تمثل فى البحث عن كل ما يتعلق بهذه الرحلة الطويلة لحفلات السيدة أم كلثوم التى خصصتها لهذا الغرض، من مدن مصر المختلفة إلى بلاد العالم، من تونس وليبيا والمغرب إلى لبنان والكويت، ومن فرنسا إلى الاتحاد السوفييتى، وغيرها من دول العالم التى شهدت تلك الحفلات والتى كانت كل منها بمثابة حدث فنى إقليمى وعالمى، تدافع الجمهور فى كل منها ليحظى بفرصة الإنصات للصوت المعجزة. والذى وصفه الكاتب محمد سلماوى مرة بأن الاستماع إليه مباشرة فى الحفلات لا يضاهيه أى تجربة استماع أخرى مسجلة على أسطوانات!

يوضح المؤلف تفاصيل الكواليس من بداية الفكرة إلى المخاطبات، ورحلة السفر، والاستعدادات للحفل والسفر، وكيفية تعامل السيدة أم كلثوم مع كل حفل وفقًا لدراستها للشعب الذى تقوم بزيارته، وكيف تحرص فى كل زيارة على مشاركتهم فى حفلات فنية من تراثهم الشعبى ومشاركتها فيها إما بالغناء أو الرقص. كاشفًا عن مواطنة عالمية قبل أن تكون فنانة عالمية لها شغف مدهش بمعرفة الآخر وفنونه وتراثه.

يوظف الباحث خلاصة جهوده فى كشف كل حرف نشر عن الرحلات لكى يقدم للقارئ وثيقة من لحم ودم، نكاد أن نسمع فيها صوت أم كلثوم بدءًا من بدايات الاتفاقات، ومرورًا بوقائع الحفل، وليس وصولًا للأغنيات التى اختارتها للغناء وكيفية أدائها لكل منها وعدد مرات تكرارات مقاطع بعينها وأثرها على مشاعر ووجدان الجمهور الذى كان الكثير منهم يفقد السيطرة على نفسه مسحورًا بالصوت الساحر القوى الذى تسبب فى بعض الحفلات، منها فرنسا وليبيا، في وصول بعض الأفراد للمسرح للوقوع تحت أقدام الفنانة الأسطورة.

وفى خلفية هذا كله يمكن للقارئ أن يتعرف على طبيعة زمن ومرحلة تاريخية عاشتها مصر فى تلك الفترة، كانت فيها رمزًا للفن والكفاح المسلح والاستقلال والنهضة، مهما اختلفنا أو اتفقنا فى تقييم ذلك كله من شبابيك العصر الحديث.

كتاب يستحق أكثر من قراءة، وجهد يستحق التحية والتقدير لأنه يمنح الأمل فى جيل يحب عمله ويتقنه ويمكنه أن يقدم للأجيال الجديدة صفحات مهمة وملهمة من تاريخ مصر المعاصر.