الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أزمة الغذاء وحكمة الحكومات وتعقل الشعوب

أزمة الغذاء وحكمة الحكومات وتعقل الشعوب

مشهد الأرفف الخالية تمامًا فى العديد من محلات السوبرماركت فى لندن مثير للعجب. الأرفف الخالية ليست شامبو وكريمات، أو أغذية كلاب وقطط وعصافير، أو حتى مياه غازية وعصائر، ولكنها أرفف البيض والطماطم وغيرها من السلع الغذائية الأساسية والبديهية. وهى أزمة مستمرة منذ شهور. فى بعض الفروع، الأرفف ليست خالية تمامًا، بل فيها آثار تنم عن تكالب أو تزاحم. بقايا بيض مكسور وقشر وسوائل على الأرض، وأخرى تحوى بعض أنواع الطماطم باهظة الكلفة التى لا تشتريها سوى الأقلية. وحتى حين يتم طرح عبوات البيض فى بعض المحلات، فإن أسعارها ضعف ما كانت عليه فى هذا الوقت من العام الماضى. حزمة الأسباب فى بريطانيا تتراوح بين تفشى أنفلونزا الطيور وأزمات التوريد وكفلة الإنتاج والنقل الباهظة. ورغم تأكيدات مستمرة على أن جهودًا حثيثة تبذل من أجل السيطرة على الأسعار فى وقت تعانى فيه غالبية الأسر البريطانية من أزمة كلفة معيشة متفاقمة، إلا أن الأسعار تزيد، والمنتج غير موجود أو شحيح. ووصل الأمر لدرجة أن العديد من الفنادق ألغى البيض من قائمة الإفطار وغيرها من الأكلات التى تتطلب استخدام البيض. أنفلونزا الطيور قضت على ما يزيد على 2،3 مليون طائر فى خلال أسابيع قليلة. وتقول بريطانيا إنها الأسوأ التى تضرب هذا القطاع. لكن أصحاب المزارع يلقون باللوم الأكبر على أصحاب السوبرماركت «لأنهم لا يدفعون للمزارعين مبالغ تناسب قيمة المنتج الحقيقية». الحكومة من جهتها لا تكتفى بسبب واحد فى حديثها عن الأزمة، فهناك استمرار الحرب فى أوكرانيا والمشكلات الاقتصادية والتجارية المترتبة عليها، وهناك ارتفاع كلفة المعيشة ونسبة التضخم، وآثار عاملين من إغلاقات كورونا والتى تستمر رغم هدوء الأوضاع فى آثارها الجانبية الاقتصادية المؤلمة. نسبة غير قليلة من البريطانيين ترى فى خواء أرفف البيض دليلًا على إخفاق حكومة حزب المحافظين، لكن أغلب الظن أنه لو تقلدت حكومة عمال الحكم غدًا، ستظل الأرفف خاوية. وفى أمريكا، أزمات السلع الغذائية ما زالت موجودة، وعائلات كثيرة اضطرت للتخلى كذلك عن مكون البيض من على موائدها، لا لأنه غير متاح، ولكن لأنه أصبح باهظ الكلفة. قبل أيام قليلة، ورد على موقه «صندوق النقد الدولى» مقالًا بالإنجليزية عنوانه «أزمة الغذاء العالمية قد تبقى مع استمرار ارتفاع الأسعار بعد عام من الحرب». قبلها بأيام قليلة، صدر بيان مشترك من قبل عدد من المنظمات الأممية والدولية على رأسها «منظمة الأغذية والزراعة» و«برنامج الأغذية العالمى» و«البنك الدولى» محذرة من مخاطر أزمة الغذاء فى العالم فى كل أرجاء الكوكب، لا سيما وأن معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائى فى العديد من الدول، بما فيها دول غربية، تتفاقم بشكل كبير. بالطبع الأكثر معاناة هم الفئات الأكثر ضعفًا وفقرًا، ولكن وكما هو واضح الجميع طاله من الأزمة جانبًا واحدًا على الأقل. المطلوب حاليًا تفهم الأزمة وأبعادها قبل المطالبة بمطالب خيالية وغير قابلة للتطبيق. الأزمة أكبر من الجميع، ولكن تبقى العبرة فى حسن التعامل معها من قبل الحكومات والتعقل قبل موجات الغضب من قبل الشعوب.