الفاتكــا.. تخترق سريـة البنوك المصرية
محمد عبد العاطي وكاريكاتير احمد جعيصة
حان الدور على مصر الآن أن تدخل ضمن طابور طويل من الدول التى تنصاع للضغط الخارجى بإرادتها أو مرغمة على تطبيق قانون الامتثال الضريبى الأمريكى «فاتكا» والذى سيرغم البنوك والمصارف المصرية على كشف حسابات عملائها الأمريكيين سواء من مزدوجى الجنسية أو الذين يحملون إقامة دائمة «جرين كارد».. وشنت الولايات المتحدة حربا شديدة على البنوك والمصارف السويسرية بسبب رفض الأخيرة الإفصاح عن حسابات عملائها وتبادل خلالها الطرفان حزمة من الدعاوى القضائية إلى أن تم تطبيق قانون «الفاتكا» فى كل الدول وهو يقضى باطلاع أمريكا على جميع الحسابات الخاصة بمواطنيها.
وتهدف أمريكا من وراء هذا القانون هو متابعة حالات التهرب الضريبى بحيث إذا رأت تغيرا فى ممتلكات أى من مواطنيها لا يتفق مع خط سير ما يتقاضاه ويعلن عنه أمامها أصبح متهربا من الضرائب أو مشاركا فى عمليات غسيل أموال غير شرعية.. وسيساعد ذلك فى تعقب الحسابات المشبوهة كذلك الحسابات التى قد تمول الإرهاب.
وحاولت البنوك المصرية التعامل مع الموقف من خلال ضبط الأنظمة المصرفية للتعامل مع المعطيات الجديدة خاصة أن العقوبات قد تصل إلى الخصم 30٪ من الأموال الخارجية للمصارف المصرية فى حال عدم التعاون ومنح أرقام الحسابات.
ولا يمتد العمل بالقانون فقط فى قطاع البنوك وإنما وصل إلى صناديق الاستثمار والشركات العاملة فى نطاق الخدمات المالية ويبدو أن معلومات الحساب ستعمل حركات السحب والإيداع أيضا من أجل مزيد من المراقبة الشاملة واختراق الأنظمة المصرفية تدريجيا.
∎ أمريكى بالصدفة
ويجب على المؤسسات المالية الراغبة فى الامتثال لـ«الفاتكا» التوقيع على الاتفاقية مع مصلحة ضريبة الدخل الأمريكية حتى يتم منح المؤسسة المالية رقم تعريفى خاص بها وذلك قبل بداية أول يوليو على أن يتم تجديد هذه الاتفاقية كل ثلاث سنوات ويجب على جميع المؤسسات المالية الأجنبية تطبيق إجراءات العناية الواجبة تجاه حاملى الجنسية الأمريكية أو الذين يتوافر بشأنهم أية مؤشرات تشير إلى احتمالية أنهم أشخاص أمريكيون يخضعون للضريبة، وما يتطلبه ذلك من مراجعة المعلومات المقدمة عند فتح الحساب أو التعاقد حسب القواعد المنصوص عليها فى القانون خاصة أنه يقصد بالشخص الأمريكى وفقًا لقانون الفاتكا المواطن الأمريكى سواء كان مقيما داخل أو خارج الولايات المتحدة و(مزدوج الجنسية)، والمولود فى الولايات المتحدة ما لم يتخل عن الجنسية الأمريكية، والمقيم الدائم بصورة شرعية فى الولايات المتحدة (أى حامل الإقامة الدائمة)، والمقيم غير الأمريكى الموجود فى الولايات المتحدة منذ 183 يومًا حد أدنى باحتساب كل أيام السنة الجارية، أو قضى ثلث الأيام من السنة السابقة مباشرة، أو سدس الأيام فى السنة الثانية وليس دبلوماسيًا أو محاضرًا أو طالبًا أو رياضياً.
ويتضح من ذلك أن مفهوم حامل الجنسية الأمريكية بالنسبة لقانون الامتثال الضريبى الأمريكى واسع جدا لدرجة أن الولايات المتحدة يمكن أن تطالب بالكشف عن حسابات أشخاص غير أمريكيين لمجرد أن الصدفة سنحت لهم بالتواجد فى أمريكا لفترة.
∎اعتراف
لم يجد شريف سامى رئيس هيئة الرقابة المالية سوى التأكيد على معرفة الشركات والبنوك بقانون الفاتكا والآليات التى سيعمل من خلالها فى ضوء النظام الجديد خاصة أنه على الرغم من كون الامتثال للـ«فاتكا» اختيارى إلا أن الآثار المترتبة على عدم الالتزام به من قبل القطاع المصرفى أو المؤسسات المالية من وساطة فى الأوراق المالية أو تأمين أو صناديق استثمار ستكون بالغة السوء، نظراً لأهمية الدور الاقتصادى الذى تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً وتسيد الدولار الأمريكى للتعاملات بين الدول. مما دفع معظم دول العالم سواء متقدمة أو نامية لاتخاذ إجراءات للتعامل مع هذا الوضع الجديد.
وتم عقد أكثر من ورشة ومؤتمر للتعريف بالفاتكا منذ أن وقعت مصر على الاتفاقية وقررت أن تطبق القانون داخل مؤسسات الدولة.
∎مقارنة غير واقعية
أكد محمود جبريل الخبير المصرفى أن قانون الفاتكا يهدف فى المقام الأول لحماية المصلحة الأمريكية ولا يمكن أن نطالب بالمعاملة بالمثل لأننا لم نفعل هذا القانون مع الدول القريبة منا أو دول الجوار وبالتالى فإن الحديث أمر غير واقعى.
وأشار جبريل إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل قوة اقتصادية كبيرة وأن المصارف المخالفة لهذا القانون أو التى تمتنع عن تنفيذه فإنها تعرض نفسها للعقوبات المنصوص عليها فى القانون خاصة أن هناك الكثير من التحويلات المصرفية تتم بين جميع مصارف العالم والولايات المتحدة ومن ضمنها مصر فضلا عن وجود حسابات تخص بنوك ومصارف مصرية هناك.
وأوضح جبريل أن دول العالم كلها انصاعت لتطبيقه خاصة أن مصر قامت بالتوقيع على العمل بالقانون داخل مصر كذلك الدول الأوروبية وبقية دول العالم ولا يمكن أن نتحرك أو نمثل قوة ضغط فى مواجهة القانون فى الوقت الحالى.
وأكدت سوزان حمدى مدير الاستثمار ببنك مصر أن البنوك قامت بتوفيق أنظمتها كى تتعامل مع قانون الامتثال الضريبى الأمريكى وأن الحديث عن جدوى القانون من عدمه مضيعة للوقت لأن دول العالم تقوم بتطبيق القانون.
وأشارت أن الولايات المتحدة قوة كبيرة اقتصاديا وأغلب الاحتياطيات النقدية للدول بالدولار الأمريكى ومن الصعب الضغط عليها لإرغامها على التعامل بالمثل خاصة أن كل الأمور تشير إلى أن تطبيق القانون أمر حتمى وأن البنوك بدأت فى الاستعداد لذلك منذ أشهر.
∎عولمة
اعتبرت بسنت فهمى الخبيرة المصرفية أن قانون الامتثال الضريبى أصبحت مصر مجبرة على تنفيذه وهو خير مثال على أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للحصول على الضرائب من الأمريكيين حتى ولو كانوا يعملون على سطح القمر.
وأشارت إلى أن قانون الفاتكا هو مدخل جديد للعولمة بمفهومها الجديد والذى تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت الحالى ويجب على الدولة أن تشرح قانون الفاتكا للمواطنين العاديين حتى يعلموا كيف تحاول الولايات المتحدة الحصول على حقوقها من أجل تنفيذ المشروعات اللازمة وتحسين مستوى دخل مواطنيها باستمرار.
وأوضحت أن هناك ازدواجا ضريبيا يمكن أن يحدث إذا ما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية من الشركات المنتمية لها والعاملة فى مصر بضرائب فضلا عن تلك التى تدفعها الشركات لمصر حيث سيكون هناك ازدواج ضريبى واضح وستسعى أمريكا للبحث عن حلول له كى تبعد أى شبهة عن الاموال التى تحصل عليها.
وتابعت أن هناك خبراء من الولايات المتحدة سيحضرون خصيصا إلى البنك المركزى لمراقبة الحسابات الخاصة بالأمريكيين لضمان التزام مصر بالاتفاقية الموقعة لتطبيق قانون الفاتكا وهذا الأمر يمثل مثالا صارخا لسياسة الولايات المتحدة فى تعقب المخالفين وتوقيع الجزاء عليهم طالما تقوم بواجبها الانسانى وتساهم فى تحسين معيشتهم.
∎معاملة بالمثل
طالب عبد العزيز حسونة رئيس القطاع القانونى ببنك تنمية الصادرات المصرية سابقا بأن تقوم مصر بطلب المعاملة بالمثل مع الولايات المتحدة الامريكية معتبرا أنه من حق أمريكا أن تقوم بتعقب مواطنيها كذلك فمن أهم شروط تنفيذ الاحكام على سبيل المثال بين الدول أن يكون مطبقا مبدأ التعامل بالمثل داخل الدولة الطالبة بالتنفيذ وهو مبدأ قانونى دولى متعارف عليه.
وبخصوص ما يتعلق بسرية الحسابات وانتهاك قانون الفاتكا له أشار حسونة أن الدولة يجب أن تتعامل فى هذا الأمر مع المؤسسات التابعة لوزارة الخارجية أو بالتنسيق فيما بينها.
وأوضح حسونة أن المشكلة القانونية التى سيثيرها القانون هو الازدواج الضريبى حيث إنه من غير المعقول أن يدفع المواطن ضريبة لبلده الأم ثم يخضع لنفس الوعاء فى البلد المجنس بجنسيتها.