مش لعبة.. وخلاص!!

هايدى فاروق
مع تطور التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية التى يقبل عليها الأطفال أصبحت الألعاب التقليدية التى اعتدنا عليها فى طفولتنا لا تصلح بأى شكل من الأشكال لترضى طموح أطفال هذا الجيل، وأصبح لابد من ألعاب أخرى بفكر مختلف ينمى تفكير ووعى وإدراك الطفل ويحاكى الألعاب الإلكترونية التى يدمنها الأطفال وتنتزع منهم طفولتهم فى عالم افتراضى يفرض عليهم الوحدة والعزلة .
فالعروسة والحصان والدب انتهى زمنها.. وأصبح للألعاب فلسفه خاصة سواء داخل المنزل أو خارجه فى عالم شديد التعقيد. لذلك فقبل شراء لعبة لطفل يجب أن نعرف جيدًا ماذا سنشترى؟ وما هى المهارة التى يفتقدها الطفل ونريده أن يكتسبها فى تلك اللعبة؟!
وما المقصود تنمية فى شخصية وما تريد زرعه من مبادئ فى نفسه عن طريق اللعبة؟
وللألعاب تاريخ طويل فأجدادنا قدماء المصريون كانوا يلعبون بل أن حق اللعب كان مكفولاً لهم كما أكد الدكتور جلال أحمد أبو بكر أستاذ الآثار والحضارة المصرية بكلية الآداب جامعة المنيا (لصباح الخير) مؤكدا أنه أشار فى كتابه الطفولة والحضارة إلى الألعاب قديما وأنواعها وطرق اللعب بها قائلا:

كان حق المساواة مكفول بين الذكر الأنثى فى اللعب . حيث كفل المجتمع المصرى القديم حقوقًا للأطفال يشترك فيها أطفال جميع الطبقات كالألعاب والرقص والموسيقى وشملت جميع الأعمار .
يكمل: عرف المجتمع المصرى القديم اللعب كوسيلة لتنمية مدارك الطفل وصقل شخصيته. فالألعاب الشعبية كان لها دورها فى التنمية الاجتماعية حيث يمثل اللعب تطور الإنسانية من الفطرة إلى الحضارة.
وشملت ألعاب الأطفال الصغار العرائس والدمى وبعضها كان متحركًا, فضلًا عن الألعاب الرياضية البهلوانية، ومن الألعاب الأخرى التى اشتهرت قديما حفظ التوازن وتمارين التوازن العكسي( لعبة النجوم) وألعاب القفز العالى والوثب الطويل والمصارعة وشد الحبل ولى الذراع (لعبة بلاى فير) ولعبة الرهان (فازات مقلوبة يخبأ تحتها شىء معين) وألعاب المطاردة واللمس والاستغماية ولعبة الكوخ أو التخشيبة واللعبة الشهيرة عسكر وحرامية».
يقول د. أبوبكر وفى هذه الأخيرة كان هدفها تعليم الأطفال احترام القانون وحفظ النظام.

ومن الطريف ما عرفناه من خلال مقتنيات المتحف القبطى تمثيل لعبة الشعبية المعروفة (صلّح) على قطعة نسيج ومثيل اللعبة الشعبية: حادى بادى».
وعن المواد التى كانت تصنع بها الألعاب أوضح «أبوبكر»: صنعت ألعاب الطفل من مواد متباينة (الخشب - العاج - القيشانى - الجلد - الطين الحجر الجيرى) وبعض هذه الألعاب إنسانى وبعضها حيوانى وبعضها جمع بين الإنسانى والحيوانى. وكان لبعض هذه الدمى شعور مستعارة (باروكات), فضلًا عن الألعاب البسيطة كالشخاليل.. حيث تم العثور على ورشة لصنع العرائس بمنطقة اللاهون والطريف أن بعض هذه الألعاب كان متحركًا كالأقزام الراقصة وهى فرقة غنائية راقصة تحرك بالخيوط».
يضيف: هناك ألعاب اعتمدت على المهارات الفردية كحفظ التوازن، ثنى ولف الجذع، تمرينات الرشاقة، حمل الأثقال القفز والعدو، التجديف، رمى السهام.
«إن كل هذه الألعاب كانت تتم تحت نظر الوالدين أو المعلمين بالمدارس ومراكز التعليم والتدريب.
ومن المناظر المصورة ما يمثل بنات راقصات بالمقصورة الحمراء وكان الرقص الدينى من اختصاص الفتيات ومن الرياضة البدنية».

داخل البيت
إن كان المصرى القديم فطن إلى أهمية الألعاب فى تنمية مهارات الطفل وصقل شخصيته، فإن العلم الحديث أكد أن الألعاب ليست مجرد مضيعة للوقت وليست مجرد مجهود بدنى دون استفادة يعنى هى ليست أنشطة ساذجة، فاللعب من أبرز المقومات التربوية فى حياة الطفل، كما انه يساهم فى النمو الجسدى والحركى والحسى لدى صغار السن.
اللعب يزيد الثقة بالنفس ويساهم فى علاج الكثير من الاضطرابات الانفعالية والنفسية وتنمى الألعاب حب الاستكشاف لدى الطفل وتعمل على زيادة تواصله مع البيئة كما أكد الخبراء.
منى جابر أخصائى العلاج النفسى للأطفال قالت: فى اللعب حياة قد لا يدركها الكثير من الآباء والأمهات، فمن خلال اللعب يستطيع الطفل اكتشاف قدراته وتنمية مهاراته التى سوف يستخدمها طوال حياته.
تكمل نظرًا لأهمية اللعب طور علماء النفس منهجاً يعتمد على العلاج باللعب، فاللعب يسهم فى تخفيف التوتر والانفعالات الناجمة عما يواجهه الطفل فى الواقع من مواقف يعجز عن التحدث عنها, كما أنه وسيلة فعالة فى فهم ما يشعر به وما يعانى منه.
وعالم الألعاب مراحل ولكل مرحلة خصائص وتفاصيل كما تقول مى جابر: «يمر اللعب بمراحل عدة تبدأ منذ الولادة فعلى سبيل المثال».
من الميلاد إلى 3 أشهر يقوم الرضيع بالكثير من الحركات بذراعيه وأرجله والتى من خلالها يتعلم ويستكشف كيف يتحرك جسمه.
هذه الحركات لها فوائد عديدة للأطفال منها أنه: يتعرض إلى خبرات ومهارات حسية تسمح له بتنمية الحواس خصوصًا (من خلال الألعاب التى تصدر أصوات بسيطة وأنوار ذات ألوان زاهية، حيث يفهم ويستكشف كيف يتحرك جسمه، الأمر الذى يشجعه على تعلم كيفية الوصول إلى طريقة اللعب سواء بتحريك يديه أو قدميه».

• لكن ما الألعاب والأدوات التى تساعد الوالدين على الاستفادة من هذه المرحلة؟
- الإيجابية كما تقول منى جابر: حيث بطاقات الألوان توجد بأشكال مختلفة حيث يتم استخدام الأبيض والأسود فى البداية يلى ذلك استخدام الملون منها وهى تساعد على التكيف مع رؤية الألوان وتحسين المسافة البصرية وتعزز تنسيق حركة العين .
أما ألعاب أصوات ذات ألوان (الشخليلة): ففى هذه المرحلة يمكن الاعتماد على الشخليلة التى يتم ارتداؤها بالمعصم أو القدم لأنها تفيد فى تنمية وتنبيه الحواس بالإضافة إلى التآزر البصرى الحركى لليدين والقدمين والعين والمخ.
• ما مواصفات اللعبة المناسبة وكيف يتم اختيارها ؟
- يعتمد اختيار اللعبة للطفل حسب الاحتياجات النفسية ولكل مرحلة عمرية. فكلما عرف الوالدان الاحتياجات كلما استطاعوا اختيار الأنسب . لهذا على الوالدين القراءة والبحث عن متطلبات النمو لكل مرحلة عمرية قبل البدء فى شراء الألعاب.
• لكن هل هناك فرق فى الشخصية بين الطفل الذى توافرت له الألعاب الحديثة مقارنة بالألعاب البسيطة أو التقليدية ؟
- لنا أن نتخيل طفلين أحدهما لديه جميع الألعاب المتطورة الحديثة والآخر لديه ألعاب تقليدية بسيطة، من سيتطور أسرع؟ من سيكتسب مهارات أسرع؟ من سيستمتع ويستكشف بيئته بطريقة فعالة ؟
قد يظن البعض أن عامل الحداثة والتطور فيما يخص اللعبة سيحدث فرقًا ولكن الخبرة العملية أثبتت أن هناك عوامل أخرى أكثر تأثيرًا فى مدى استفادة الطفل من اللعبة أو اللعب بشكل عام.
وعلى سبيل المثال لعبة (بيكابو) أو المتعارف عليها بـ لعبة «بخ» فهى من الألعاب الأنشطة التقليدية للغاية والتى قد تبدو أنها تهدف لإثارة الضحك لدى الرضيع, ولكن فى الحقيقية هى لعبة تربوية فى المقام الاول حيث تغطى الأم وجهها وكأنه أختفى ثم تظهره فجأة . هذا النشاط رغم بساطه إلا أنه يساعد الطفل فى تعلم مفهوم ديمومة الأشياء وأن الشئ الذى اختفى يمكن أن يعود ومن ثم إذ اختفت أمى لتحضر شيئاً فسوف تأتى مرة أخرى لتلبى احتياجاتى.
هنا لا بد من السؤال:
• أيهما أفضل هل الألعاب التقليدية أو ألعاب الميتافرس ؟
- ستظل الألعاب التقليدية هى الأكثر ارتباطًا بالطفل ونموه السليم وصحته النفسية. إلا أن الألعاب الإلكترونية والتى تعتمد على الواقع الافتراضى يمكن استخدامها بشكل علاجى وليس ترفيهى،و أن يتم تحت إشراف من متخصص لتحقيق هدف محدد.
فهى تفيد فى تدريب الأطفال ممن يعانون رهاب اجتماعى أو أى مخاوف من حيوانات معينة أو مواقف معينة من خلال التعرض التدريجى للوقائع فى الواقع الافتراضى (ميتافيرس) ثم الانتقال التعرض التدريجى فى الواقع.

بره البيت
ممارسة الطفل فى منزله يحسن من مرونة عضلاته وقوتها، كما يحسن من وعى الطفل بجسمه وينمو مهاراته الحركية. فكما تحدثنا عن مواصفات الألعاب داخل المنزل ودور الأب والأم فى اختيارها فإن الألعاب فى النادى وأماكن اللعب وفى الحضانات لابد أن يكون لها مواصفات خاصة.
الدكتورة إيمان كريم المشرف العام للمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة وصاحبة تجارب فى ألعاب الأطفال بأحد نوادى القاهرة العريقة قالت: فى حديقة الأطفال اعتمدت عدداً من ألعاب الأطفال المختلفة التى تعتمد على تنمية المهارات، فعندما فكرنا فى تغير الألعاب فى حديقة الأطفال واعتماد ألعاب جديدة كان السؤال فى كيفية إيجاد لعبة تعتمد على تشغيل عضلات الطفل مع قدراته الذهنية وكيفيه بناء شخصية للطفل وقد بحثت طويلا واطلعت على ما تفعله شركات أجنبية مخصصة فى مجال لعب الأطفال وشركات ألمانية ووجدت دراسات عديدة فى هذا الإطار».
وأضافت إيمان: «كان التفكير كيف نجذب الطفل بشىء يحبه وفى نفس الوقت ندفعه لتنمية مهاراته البدنية والذهنية والابتكارية؟».
تضيف: «الألعاب على اختلافها من المفترض أنها لا تلقن الطفل ما يجب أن يفعله لكنها تترك له مساحه للتفكير والطفل يتعلم عادات المجتمع وقوانينه والقيم الاجتماعية كالعطاء وتقبل الآخر والتعاون الجماعى ومهارات التواصل الاجتماعى وتقبل الخسارة..من خلال اللعب والألعاب على أن يحركها الطفل عضلاته فقط لكن الآن الموضوع مختلف، وأصبحت أغلب الألعاب تضع الطفل فى مشكله وعليه أن يخرج نفسه منها بنفسه».
وتعود إيمان للتأكيد على أن اللعبة أصبحت فى المقام الأول وسيلة لتدريب الطفل فى الألعاب على الخروج من المشاكل فى سن أكبر سيعرف كيف يستخدم ما تعلمه كى يفكر.. ويتعامل بشكل صحيح فى مواقف مهنيه وحياتيه.