السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
السر فى التفاصيل

إستراحه مشاهد

السر فى التفاصيل

 من هو المخرج؟ سؤال يمكن وصفه بالبديهى لولا أننا فى زمن الاستعراض عبر منصات التواصل الاجتماعى. المخرج هو الشخصية الأكثر تأثيرًا فى أى عمل فنى، هو من تشعر بوجوده فى مشهد تلو الآخر حتى لو كان المتفرج لا يعرف ملامح وجهه، المخرج يحرك الجميع أمام الكاميرا لا فرق بين نجم وممثل عابر، وكلما زادت درجة التناغم كلما بات العمل ناجحًا وراسخًا فى الذاكرة.



على العكس، يجب أن تتحسس عقلك وذائقتك الفنية مبكرًا إذا رأيت للمخرج صورًا عديدة وهو ينظر فى العدسة، يوجه الممثلين، يجلس منهمكًا فى اللوكيشن، كل هذا قبل أن نرى الحلقة الأولى، وعندما تبدأ الحلقات ويثار الجدل يجد لديه وقتًا كافيًا للرد على الأخطاء وتبريرات التجاوزات الفنية، لأنه باختصار لم يخصص الوقت الكافى للتفاصيل، التى من خلالها هى فقط يمكن التمييز بين مخرج شاطر حتى لو لم نكن نعرفه، ومخرج شهير شاطر فقط فى الدعاية واصطحاب الجميلات على السجادة الحمراء للمهرجانات الدولية.

التفاصيل هى سر نجاح أى عمل، والمخرج المميز لا يحوِّل الورق إلى صورة دون إبداء وجهة نظر؛ أكدت ذلك السيناريست مريم نعوم فى بودكاست عن كواليس «الهرشة السابعة» حيث المخرج كريم الشناوى تدخل باقتراح تفاصيل مثل مهنة «سلمى» أو بكاء «آدم» بعد مشهد المواجهة، بجانب أمور عديدة يضعها على «ترابيزة الكتابة» ويمنح المؤلفين حريتهم فى التنفيذ. اهتمام كريم الشناوى بالتفاصيل يزيد عملًا تلو الآخر، ويظهر بوضوح فى حالة الإعجاب المتزايدة بالعمل وتميز كل أبطاله سواء الجراندات أو النجوم، وصولًا لوجه جديد مثل رويا هاشمى.

 

 

 

كريم نموذج للمخرج الذى يقدم موضوعًا يعرف عنه كل شىء، عايشه واختبره واكتسب ثقة التعبير عنه فنيًا، لم يعد يكفى أن تكون مميزًا تقنيًا ومتمكنًا من أدواتك فتحوِّل أى سيناريو لحلقات متتالية عبر الشاشة أو المنصات، بل المخرج الذى عرفناه فى تاريخ الفن هو المؤمن بموضوعه، القادر على الدخول فى تفاصيله المحدد لجمهوره، الملتزم بقضية أو فكرة هدفها تحريك المجتمع نحو فعل حقيقى لا مجرد فرجة تأثيرها مؤقت.

التفاصيل هى التى جعلت المخرج الشاب سيلا قلدس يعلق على الحلقات الأولى من «تحت الوصاية» بعبارة بليغة «محمد شاكر خضير خلى المراكب تمثل»، ليست المراكب فقط بل كل زاوية فى كل كادر له أهمية درامية، كل وقفات وسكنات البطلة التى تجسدها منى زكى تم رسمها بعناية، فريق الصيادين الذى كونته، من قابلتهم فى حلقة الهروب الأولى، أسلوب السرد نفسه الذى يحسب أيضًا لخالد وشيرين دياب، والذى جعلنا لا نتخطى المقدمة لأن كل دقيقة تحمل معنى وإضافة فقط لأن هناك مخرجًا يحترم التفاصيل.

فى «نجع عبد الجبار» الكل يشيد بمفاجأة أحمد عيد، لكن عيد ليس وحده الذى تألق فى هذا المسلسل، ممثلون كثر بداية من نيللى كريم بالطبع مرورًا بجمال سليمان وكمال أبو رية ومحمد فهيم وندى موسى ومريم الخشت، وصولاً إلى جومانة مراد فى شخصية «دميانة»، قارن بين ردة الفعل على دورها فى «عملة نادرة» ومثيله فى «بابا المجال»، الفارق يكمن في ماندو العدل الذى يحقق نضوجًا فنيًا مطردًا من موسم لآخر، لكن اختيارات الممثلين ليست فقط هى علامة اهتمامه بالتفاصيل، بل أيضًا تكوين العالم الذى تدور فيه الأحداث التى كتبها مدحت العدل بحرفية معتادة، يؤكد استعانته بفريق محترف على مستوى الديكور والإكسسوارات والملابس والإضاءة بشكل يجعل العمل من الأفضل فنيًا هذا الموسم، دون الحاجة لإثارة الجدل عبر قضايا شائكة وحوارات غير واقعية وشخصيات غابت عنها المنطقية الدرامية.

«الصفارة» عمل يحمل اسم أحمد أمين، الذى تنقّل مع طه دسوقى وباقى الأبطال عبر عوالم مختلفة على مدار 15 حلقة، لكن هل شعر المشاهد أننا أمام حلقات متصلة منفصلة؟ العكس هو الصحيح، لأن مخرجًا مهتمًا بالتفاصيل هو علاء إسماعيل تحمَّل مسئولية انتقال الشخصيات من قصة لأخرى، مع الحفاظ على الأسس المكونة لكل شخصية بشكل يجعل المتفرج بحاجة للمتابعة المنتظمة، وليست متابعة الإسكتشات التى أجادها فى «البلاتوه»، لكنه من خلال «الصفارة» عكس قدرات مخرج يعرف الفارق بين البرنامج والمسلسل، ويدرك أن التفاصيل هى التى تصنع اسم المخرج وعدا ذلك ما هو إلا دعاية تتبخر بعد الحلقة الأخيرة وربما قبلها بكثير.