الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
خبراء ومُفتون 24/7

خبراء ومُفتون 24/7

أفهم أن يكون الشخص متخصصًا أو محبًا أو ملمًا أو هاويًا لموضوع أو موضوعين أو ثلاثة أو أربعة، لكن أن يكون خبيرًا محنكًا وخطيبًا مفوهًا وعالمًا متبحرًا فى كل شىء وأى شىء دون هوادة، فهذا غريب مريب. ويشهد شهر رمضان، منذ بزوغ عصر الـ«سوشيال ميديا» وتعميق قواعد تمكين القواعد الشعبية العريضة بأدوات التعبير عن الرأى، ظاهرة متنامية ألا وهى انتشار الإفتاء واستشراء الإدلاء بالدلو فى كل شىء وأى شىء.. فن، رياضة، أزياء فنانات، أعمال درامية، إجراءات سياسية، أزمات اقتصادية، معضلات حياتية، قرارات حكومية، أهداف كروية، حوادث عالمية، أحداث كونية الجميع يجد نفسه تحت مقصلة التفسير والتفنيد وإصدار الأحكام الدامغة من قبل جموع الشعب.



جموع الشعب لهم مطلق الحق وكل الحرية فى التعبير عن الرأى، لكن فى خضم هذا التسليم بحق التعبير والنقد، فإن الواجب الملقى على عاتق الشعب فى المقابل قلما يؤخذ فى الحسبان. الواجب فى النقد والتعليق والتعبير يكمن فى حد أدنى بالمعرفة قبل أن يطلق الشخص العنان للنقد والإفتاء، وإلا أصبح الكلام أجوفً والوقت الذى يستغرقه ضائعاً معدوم الفائدة.

وقد لوحظ أن قاعدة عريضة تطبق مبدأ «أنا أفتى إذن أنا موجود»، أو «أنا أدلو بدلوى فيما أفقه وما لا أفقه يعنى إننى بالضرورة موجود وفعال ومرئى ومسلط عليه الضوء». وسامح الله الـ«سوشيال ميديا» التى جعلت الضوء من نصيب أصحاب القدرات على الصياح، بغض النظر عن محتوى الصياح. 

واقع الحال الرمضانى حاليًا هو تحول الملايين عبر منصات الـ«سوشيال ميديا» إلى نقّاد وكتّاب سيناريو ومخرجين ومهندسى إضاءة وفنيين أفضل من تلك الطواقم التى تقف وراء عشرات الأعمال الدرامية المذاعة على الشاشات الرمضانية. ليس هذا فقط، بل إن جموع المشاهدين نصبت نفسها خبراء إعلان ومتخصصى فتاوى دينية وفقه وشرع وما تيسر من الدين. وهذه الأخيرة فى حد ذاتها مصيبة.

جموع المفتين والمفتيات القابعين والقابعات خلف الشاشات يمثلون كتيبة إفتاء مستقلة قادرة على إصدار أحكام دينية وفقهية، لا فى الأسئلة التى يطرحها البعض فقط، بل فى الحكم على هذا الشيخ باعتباره «متهاونًا» لأنه يجتهد فى التفسير وعلى ذاك لأنه «متساهل» لأنه يحكم العقل لا العضلات فى الفتوى والنصيحة.

وإذا كنا نعانى من مشكلة حقيقية فى فهم حق النقد وحرية التعبير حيث الفهم الأعم والأشمل هو التلويح بهذا الحق دون امتلاك أرضية أو معلومات عامة تعضد ما نقول، أو تعطيه لمسة من منطق، فإن المشكلة الأكبر والأخطر هى تطاول البعض والإغراق فى السب والتنمر والملاحقة العنكبوتية لكل من يختلف عنهم فى الرأى أو يطالبهم بتحكيم العقل.

قبضايات أو فتوات الشبكة العنكبوتية يستأثرون بالأثير. الكلمة العليا لهم، والويل للآخرين. ولمن يهمه الأمر، فإن الفوضى العارمة والصخب الهادر الدائرة رحاها طيلة أيام الشهر الكريم مؤشر مهم لمستوى الثقافة العامة ومعايير الحكم على الأشياء وأدوات التعبير عن الرأى والدفاع عن الموقف.

وعلى هامش الفوضى والصخب، أتساءل: أين يجد هؤلاء الوقت والجهد ليعملوا ويتعبدوا وفى الوقت نفسه يفيضون إفتاء ونقدًا وصخبًا وشتمًا على الأثير 24/7؟