الثلاثاء 13 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الاستيقاظ  فى رمضان

الاستيقاظ فى رمضان

أخشى أن تأخذنا أوضاع الكوكب المتعثرة الحالية، والأزمة الاقتصادية التى تعصف به وتؤثر على كل شارع فى كل دولة، كبيرة كانت أم صغيرة، نامية أم نمت وعدت مراحل النمو إلى آفاق السيطرة والهيمنة على العالم فننسى أو نغفو عن جزئية بناء الوعى وإعادة بناء الشخصية المصرية. 



بناء الوعى لا يقل أهمية أبدًا عن عوامل أخرى لا تتقدم دولة بدونها. وكلما أتابع أو أرى إنجازًا جديدًا عظيمًا فى مصرنا العزيزة، أضع يدىّ على قلبى خوفًا عليها من علة الوعى. علة الوعى أو وهنه أو قلته أو غيابه شبه التام ليس وصمة؛ لكن الوصمة أن نستمر فى تجاهل المشكلة الكبرى والمعضلة العظمى التى لحقت ببنياننا الفكرى والثقافى على مدار عقود التجريف الكثيرة، فأصبحنا على ما نحن عليه. نخاف على مشروعاتنا الكبرى التى شَيدت لنا وبنا من أنفسنا. باص جديد يصر السائق على تناول الكشرى فى داخله، ويلقى الركاب القمامة على أرضه، وربما يسلى طفل نفسه فى الطريق بقطع المقعد الجلدى أو الكتابة على النوافذ. كوبرى جديد مزود بأرضية زجاجية جميلة نجد من يخرج من بيته خصيصًا لمحاولة كسر الزجاج أو تجريحه. مقاعد خشبية أو حديدية على الكورنيش لراحة الناس ومتعتهم تختفى أجزاء منها لأن أحدهم قرر أن يفكها ويبيعها خردة. وفى كل مرة يعلو صوت منددًا بما جرى، تلاحقه تبريرات «معلش أصله غلبان» «معلش أصله جاهل». والحقيقة أنه - من يفعل ذلك- ضحية وليس جانيًا. الجاني هو من تركنا عبيد التجريف عقودًا لا تقل عن ثلاثة، وأسرى فكر ثقافى رجعى أسود يحلو لنفسه أن يسمى نفسه دينيًا. وماذا حدث؟ عطلنا عقولنا، وأطلقنا العنان لمنظومة ظاهرها دفاعى، وباطنها عدائى. 

ولعل شهر رمضان المبارك هذا العام يشهد تغييرًا فى الأداء الدينى لمشايخنا الأجلاء. سننتصر على الفقر ونهزمه لا بالرضا والصبر والدعاء فقط، ولكن معها التعليم -أو بالأحرى التعلُّم- والعمل والبحث والتفكير النقدى والخروج من دوامة الأعمال الهامشية التى لا تسمن أو تغنى من بقاء فوق وعلى وتحت خط الفقر. 

خط الفقر سيبقى عتيدًا عنيدًا فى مصر طالما «جروبات الماميز» لا يعنيها من أمر تعليم الصغار سوى «تقفيل الامتحان» وتخفيف المناهج وإحراز الدرجة النهائية. ويمكن القول إن هذه «الجروبات» انتصرت على جهود تغيير فكر التعلم وعادت أدراجها إلى المربع الأول. وسيبقى خط الفقر على ما هو عليه طالما الغاية من الحياة هى التكاثر فقط فى انتظار الآخرة للتمتع بما وعدنا الله به فى الجنة. وسيبقى خط الفقر يجرنا لأسفل إن ظل الاعتقاد بأن مهمة أى حكومة هى أن تطعمنا اللقمة فى أفواهنا اليوم، ويحلها حلال غدًا. 

فنتفكر فى رمضان فيما آل إليه فكرنا، إذ ربما نكتشف أن علينا تعديل الدفة نحو عقيدة عمل وبحث علمى وتنوير وتثقيف، ونعى بأن التفكير لا يحتاج إذنًا مسبقًا من حاملى مقاليد الجنة والنار، فقد هرمنا وحان وقت الاستيقاظ. رمضان كريم.