الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الشامى.. المفكر التنويرى

الشامى.. المفكر التنويرى

منذ وطئت قدماى أبواب الكونسيرفتوار لأداء امتحانات القبول للالتحاق بالمعهد فى نهاية الثمانينيات شرفت بوجوده فى اللجنة الممتحنة، وكانت ابتسامته الهادئة الوديعة فى ظل مخاوف الطلاب وتوترهم الشديد من وجوه عابسة، وأخرى مستنكرة، غاية فى الحنو المتجسد فى نظراته التى تهدهد الآخر حتى ولو لم يحظ بالقبول، لكن إنسانيته تفرض عليه هذا الكم البالغ من الدعابة والطمأنينة، يحيط مجلسه برقة مشاعر فى التعامل مع الصغار قبل الكبار. وبعد قبولنا فى المعهد تفاجأنا أن هذا الشخص استثنائي بكل المقاييس، فهو قامة وقيمة موسيقية وأحد أهم أساتذة الكونسيرفتوار على المستوى المهنى والأكاديمى، له باع كبير فى العمل الثقافى، أستاذ مقدر من الجميع، يحتوى طلابه بأبوة وحب حقيقى. لم يتغير بمكانة أو منصب رغم مرور كل هذه السنوات التى تزيد على ثلاثة عقود، لكنه احتفظ بنفس الهدوء ودماثة الخلق والتواضع. يمثل المرجعية فى لجان الامتحانات بالكونسيرفتوار، فوجوده دائمًا داعم ومساند للممتحنين ومصدر الرفق والتوازن ورمانة الميزان، فهو هين لين لكنه يمتلك أدواته المهنية، دون قسوة أو حرج، حين يتكلم يصمت الجميع، وحين يرشد ويوجه يكون الناصح الأمين، يملك من الحكمة والخبرة ما يضفى ثراء معرفيًا حقيقيًا. يعلم جيدًا متى يمنح أو يمنع، دون تدليل مفرط أو شدة تحبط، أتحدث عن أستاذى الدكتور فوزى الشامى، الذى تعلمت على يديه وتتلمذت وما زلت فى بحر علمه الغزير ومعارفه المتنوعة، كنت محظوظة حين اختارنى مع عدد من طلابه للسفر إلى النمسا لتفوقنا فى شهادة الدبلوم المتوسط التى يمنحها الكونسيرفتوار، وكانت تلك التجربة هى مجال الانفتاح على العالم الغربى وإعجابى بهذا التقدم، لم أنس يومًا رعايته واحتواءه لنا فى أدق التفاصيل.



وقد تولى مناصب أكاديمية كثيرة منها رئيس قسم ثم وكيل وبعدها عميد، أيضًا عمل كأستاذ زائر فى اليونان وسوريا والكويت، وأسس أوركسترا الشباب العربى الفيلهارمونى الحلم الذى راوده منذ عام 2000، حتى خرج للنور عام 2006، بهدف تجميع الشباب الموسيقى المتميز فى وطننا العربى لعمل مشروع يسعى للارتقاء بالمستويات الفنية والتقنية والعلمية للعازفين من الشباب، فضلًا عن توطيد العلاقات الثقافية والفنية والعلمية بين الهيئات التعليمية والثقافية العربية، وزيادة الترابط الاجتماعى والإنسانى بين الشباب ليصبح هذا المشروع أحد أشكال التوحد العربى المنشود، وواجهة حضارية عربية. أما مشاركات فوزى الشامى الدولية العديدة وتمثيله لمصر فى الخارج جعلته حاملًا رسالة وطن بمصريته الراسخة، ومقالاته الفكرية والنقدية وكتاباته البحثية أفسحت له المجال ليكون أحد رموز التنوير الحقيقيين. 

وظل فوزى الشامى على مدار السنوات رمزًا للتعقل لكثير من المواقف التى تواجهنا وهو النموذج العلمى والإنسانى الذى ارتسمته سنوات العلم والخبرة لتحفر فى ملامحه الحكمة المروية بصفاء النفس. وبات اسمه مقرونًا بالعمل الجاد، والرؤية المستقبلية، ليس فقط باعتباره أحد أقطاب الموسيقى فى مصر، لكن كمفكر يدرك قيمة الفن والثقافة فى تغيير مسارات الشعوب. وأخيرًا حظت جامعة بدر بمكسب لشرف قبوله منصب عميد كلية الفنون السينمائية والمسرحية خلفًا للفنان الدكتور أيمن الشيوى.

لعلها خطوة جديدة بإضافة الموسيقى لهذه المنظومة العلمية الرصينة.