الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حرق الأفكار ومحو التاريخ

حرق الأفكار ومحو التاريخ

تشاهد فيلمًا. يظهر مشهد مؤلم أو مقرف أو مخيف. تغمض عينيك حتى ينتهى المشهد، ثم تفتحهما. تشعر براحة شديدة، لكنك تعلم أن إغلاق عينيك لا يعنى أن المشهد غير موجود. 



قس على ذلك أشياء كثيرة. حدث تاريخى وقع بالفعل. تعتبره مناهضًا لأفكارك أو مناهضًا لأفكارك أو معاديًا لمعتقدك. أسهل ما يمكن عمله هو أن تقطع هذه الصفحة من الكتب. تشعر براحة شديدة، وكأن الحدث لم يقع. لكنك تعلم أن قطع الصفحة لا يعنى أن التاريخ صار منزوع الحدث. 

تمر دول العالم بتغيرات وتقلبات. أبطال الأمس يصبحون نكبات اليوم. تدق على شاشة الكمبيوتر وتمحو كل ذكر لهذه «النكبات» من على صفحاتك الشخصية. تشعر براحة كبيرة، وكأن أبطال الأمس نكبات اليوم لم تلدهم أمهاتهم من الأصل. لكنك تعلم أنهم موجودون خارج حدود صفحاتك ومساحتك الشخصية. 

هذا النوع من الراحة لا يقف عند حدود إغلاق الأعين وإزالة فقرات من كتب التاريخ ومحو أسماء من صفحاتك الشخصية، لكنه يمتد إلى الحرق والتفجير والتفخيخ وغيرها من محاولات المحو التى تتخذ منحى عنيفا ودمويا. ورغم الخسائر البشرية والنفسية والثقافية والسياسية والاقتصادية، لكن جميعها لا يمحو ما أراد الحارق أو المفخخ محوه. 

كل من حرق كتابًا مقدسًا أو رواية أو كتابًا اعتبره الحارق معيبًا أو سيئًا أو خارجًا أو خادشًا أو لم يكن ينبغى أن تتم كتابته من الأصل ارتاح نفسيًا لأنه رأى بعينيه احتراق الكلمات والأوراق. لكن كل حارق يعلم فى قرارة نفسه أن حرق النسخة التى بين يديه، أو حرق عشرات أو مئات أو آلاف أو ملايين النسخ لن تمحو المحتوى المحروق. 

وكل من فجر أو فخخ مسجدًا أو كنيسة أو معبدًا أو مبنى أو موقعًا اعتقد أن بتفجيره أو بتفخيخه قد محا أثر المبنى وقيمة المكان أو محتواه البشرى أو الثقافى أو العلمى أو الدينى أو السياسى. لكنه اعتقاد عبيط أهبل. لماذا؟ لأنه أقرب ما يكون إلى الطفل المدلل الذى فشل أهله فى تربيته واعتنق مذهب إلقاء نفسه على الأرض والدبدبة بقدميه والصراخ بأعلى صوته حتى يحقق له والداه ما يريد. يعتقد الصغير أن طريقته البلهاء هى الأفضل والأنجح. ويكبر وهو يعتقد ذلك، وبدلًا من أن يلقى بجسده على الأرض ويدبدب بقدميه حتى يغير من حوله معتقداتهم أو يعدلوا من توجهاتهم أو يبدلوا أنشطتهم بأخرى تعجبه أو تناسبه، يقوم بتفجير نفسه أو تفخيخ ما لا يعجبه. 

الهبل الفكرى أنواع وأشكال. وما يبدو إنه مقاومة واستبسال واستئساد كثيرًا ما يكون فى حقيقة الأمر هبلًا محضًا وعبطًا لا شك فيه. صحيح أن من الهبل ما يكلف الأمم أرواحًا بشرية وخسائر مادية، لكنه يظل فى نهاية المطاف هبلًا محضًا. 

لا مشهد الرعب سيختفى من الفيلم بإغلاق الأعين، ولا التاريخ سيتغير بإزالة فقرات، ولا الشخصيات التى عاشت سيختفى أثرها بمحو أسمائها، ولا القرآن أو أى كتاب مقدس أو غير مقدس سيفنى بحرق نسخه.