السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مريم أبوزهرة

مريم أبوزهرة

أثبتت الدراسات العلمية والأبحاث أن الجينات الوراثية والكروموزومات لها امتداد من السلف إلى الخلف، وتستمر عبر الأجيال، لكن يجب التعامل مع هذه الجينات باعتبارها التربة الخصبة التى تحوى بذوراً تُسقى لتنبت أشجاراً وارفة تمتد ظلالها لأفق أبعد من رأى العين، وهكذا الملكات الإبداعية تنم عن موهبة فطرية حباها الله لذويها، لكنها تظل حبيسة إلى أن تتم رعايتها وسقيها لتفرز رحيقاً عطراً يتخطى أريجه وشذاه الحدود الجغرافية المحدودة لتصل بنا إلى العالمية.



وتأكيداً على هذه النتائج العلمية نجد المثل الشعبى المصرى «ابن الوز عوام» مبرهناً على امتداد تلك الجينات فى أى من المجالات، وبطبيعة الحال يتجلى مظهر هذا القول فى الفنون التى تنجلى للعيان دون جهد. فالموهبة الفنية الحقيقية تتناقلها الأجيال، فنجد على سبيل المثال الفنان القدير عبدالرحمن أبوزهرة برصيده الفنى الكبير، أنجب أحد المواهب الفنية، لم يكن الامتداد فى نفس المجال، بينما تأتت فى فن آخر وهو الموسيقى، حيث درس الفنان أحمد أبوزهرة فى الكونسيرفتوار وأثبت تفوقاً وبراعة فى العزف على آلة البيانو، التى عشقها واحترفها فى مصر ثم انتقل بموهبته للخارج، ومن جيناته الفنية الموسيقية ورثها لنجلتيه فأفرزت إبداعاً متميزاً فى العزف على آلة الكمان. اهتم والدهما بالموهبة الفطرية لإيمانه بدور الفن والموسيقى تحديداً فى خلق إنساناً رهيفاً، بمشاعر راقية، تحمله مسئولية تهذيب الوجدان، فتطوفا الفتاتان من حين لآخر مدنًا أوروبية لعزف الموسيقى الكلاسيكية الرصينة مع أوركسترات عالمية عديدة فى مناسبات ومهرجانات موسيقية، ليستكملا مسيرة الإبداع الفنى.

ومنذ أيام قليلة أبدعت مريم ذات الخمسة عشر ربيعاً فى وطنها مصر، إبان ثلاث حفلات فى القاهرة، ومكتبة الإسكندرية عروس البحر المتوسط، وفى الأقصر وسط حضارة أجدادنا الفراعنة، حيث قدمت بمصاحبة الأوركسترا الإيطالى إيراسموس الحركة الأولى لكونشيرتو الفيولينة والأوركسترا رقم1 للمؤلف الإيطالى شيطان الكمان نيكولو باجانينى، وأظهرت مهارتها كعازفة، ومدى براعة إتقانها لإمكانات هذه الآلة الصعبة بمنتهى الاحترافية رغم حداثة سنها، إلا أن تنمية موهبتها بشكل أكاديمى على يد أجدر أساتذة أجانب كان لهم الفضل فيما وصلت إليه من تمكن حقيقى، ومستوى تقنى مايز. كما حصلت مريم على كثير من الجوائز التى تؤهلها لكى تكون سفيرة لوطنها فى الخارج حاملة أسمى لغات العالم وأرقى فنون الكون.

وفى الواقع لم يعجبنى فقط تمكن مريم فى الأداء وعزفها المبهر، وسيطرتها على تلك الآلة صغيرة الحجم، بأوتارها الأربعة، وكيف تضاهى بأصابعها الذهبية عازفين مرموقين، لكن ما لفتنى مشيتها فى خيلاء، ووقفتها كالنخلة شامخة، وكأنها تنبض بقلبها قبل لسانها ها هى ابنة ملكات مصر تحدثنا بفنها وإحساسها مستنهضة روح المصريات عظميات مصر عبر التاريخ بكل كبرياء وتفاخر لتعلن برقة ورفق عن مصريتها الأبيّة.

وتظل حيرتى حول تلك الجينات الإبداعية التى تفرز ملكات خاصة وشخصيات استثنائية! أليس واجبنا هو اكتشاف هؤلاء المبدعين فى وطننا حفاظاً على جيل حالى وأجيال مستقبلية تمتلك براعة وفكراً وموهبة تقودنا نحو عالم أكثر رفاهة وتقدماً!