السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الأب يبقى فى البيت.. والأم تخرج للعمل!

الأب يبقى فى البيت.. والأم تخرج للعمل!

هذه الظاهرة الغريبة ليست جديدة، فقد كتبت عنها على صفحات «صباح الخير» منذ أكثر من ثلاثين عامًا.. لكن الجديد هو أنها فى تزايد.



أتكلّم عن ما يسمونه هنا فى بريطانيا «هاوس هاسبند» أى الرجل الذى يقرر البقاء فى البيت ويترك عمله ليتفرغ للأعمال المنزلية ورعاية أطفاله ونظافة البيت إلخ.

بينما تذهب زوجته للعمل خارج البيت كل يوم.

 وبعضهم يسميها «الأب الباقى فى البيت»..

ويقدر عدد هؤلاء بما يزيد على مليون رجل إنجليزى.

ووفق دراسات تاريخية فإن هذه الظاهرة التى يتحوّل فيها الرجل إلى القيام بالدور المعهود للمرأة بينما تصبح زوجته هى العائل للأسرة، تشكلت بداياتها الأولى بعد الحرب العالمية الثانية وبعد أن خرجت المرأة للعمل للقيام بدور الرجال الذين خلت وظائفهم لذهابهم للحرب.

ويقدر عدد رجال أمريكا الذين يقومون بأعمال النساء من تربية ورعاية الأطفال إلى الكنس والطبخ، بنحو ثلاثة ملايين.

مطلوب دراسة

وليست هناك فى حدود علمى، دراسة معروفة تتناول ظاهرة تبادل الأدوار هذه.. مع أهميتها وما قد تشير إليه من دلالات ومتغيرات فى المفاهيم العامة السائدة.. وما تقدمه من مؤشرات تتعلق بمستقبل الحياة الزوجية والاجتماعية فى الزمن المقبل.

فالمعروف أن الأسرة فى القرن التاسع عشر وما قبله كانت تقوم على المشاركة بين الزوجين فى أداء كل متطلبات البيت وموارده، ومع انتقال الزواج إلى مرحلة تعتمد على العواطف، وليس التقاليد وتسلط كبار العائلة، ومع الثورة الصناعية تحدد لكل من الزوجين مجالًا، فالرجل هو الذى يذهب للعمل ويكدح ليحصل على المال للإنفاق على عائلته بينما تبقى زوجته فى البيت ترعاه وترعى الأبناء وتقوم بالأعمال المنزلية كلها.

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

متغيرات القرن العشرين

لكن القرن الماضى، شهد متغيرات أساسية فى كيان الأسرة ودور كل من الرجل والمرأة فيها، حيث خرجت النساء للعمل، وتوفرت خدمات. وتسهيلات ومخترعات وأجهزة تسمح بتيسير الأعمال المنزلية.

وبدأت ظاهرة الـ«هاوس هاسبند» الرجل الذى يبقى فى البيت ويقوم بالأعمال التى اعتدنا إسنادها للمرأة.

ومع بداية القرن الحالى اتسعت الظاهرة قليلًا..

والآن أصبح هذا النوع من الرجال يعد بالملايين..

وقد نضيف أن ظروف السنتين الماضيتين وتفشى وباء كورونا والإجراءات والقيود التى فرضت لوقف انتشاره، ترتب عليها بقاء عشرات الملايين من الرجال والنساء فى بيوتهم خوفًا من الإصابة بالوباء القاتل.

وعندما خفت المخاوف قليلًا وتم التوصل لجرعات طبية تقى من كورونا، عاد الناس إلى أعمالهم، لكن بقى كثير منهم فى بيوتهم، ومنهم هؤلاء الرجال الذين مال بعضهم إلى فكرة «العمل من المنزل» بينما قرر آخرون وهم كثر (ازداد عددهم بعد كورونا بنسبة تقدرها دراسة حديثة بالثلث) أن يتوقفوا عن العمل ويتركوا وظائفهم السابقة ويكتفوا بالبقاء فى البيت لرعايته ورعاية الأطفال بينما تذهب زوجاتهم كل يوم للعمل خارج البيت!

وأمامى مقال كتبه واحد من هؤلاء الرجال المنزليين أقتبس منه بعض ما كتب موضحًا موقفه وتفاصيل حياته اليومية كـ«أب منزلى».

اسمه «مارتن روبنسون» وهو فى منتصف الأربعينيات من عمره، يقول إنه كان يعمل فى «مشروع» لا يتطلب وجوده فى مكان العمل، فكل ما عليه هو العمل والتواصل مع الآخرين من خلال الكومبيوتر «لاب توب».

فبقى فى البيت بينما تذهب زوجته لعملها اليومى، وأثناء ذلك وجد نفسه يضع الغسيل فى الغسالة ويتابع أحوال أطفاله، وهكذا وبعد انتهاء المشروع بقى فى البيت واتفق مع زوجته على تبادل الأدوار، فأصبحت هى التى تأتى بالدخل.

ويتساءل «مارتن»: هل سيصبح هذا الوضع هو المعتاد والطبيعى والدائم؟.

لكنه لا يقدم إجابة واضحة، بل يفلسف المسألة قائلًا: إنها فرصة لإعادة النظر فى مفاهيمنا عن دور الرجل ودور المرأة، وعن اعتماد الرجل على مهنته للتعريف بشخصيته، وفرصة للتخفيف عن المرأة العاملة التى هى أم فى الوقت نفسه، ويضيف إنها فرصة لمراجعة موقفنا من التفاوت فى الأجور بين الرجل والمرأة.

وهو يعترف: لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن أصل إلى تقبل فكرة أن أكون «الأب الباقى فى البيت» والحقيقة إنها مهمة شاقة.. وظيفة تستغرق الوقت كله، غسيل وتنظيف وترتيب البيت ورعاية الأطفال، وتجهيز العشاء، جهد عصبى وعضلى كبير، وخلال السنوات الخمس الماضية منذ بدأت أقوم بكل هذا، لدى شعور بأنها مهمة مجزية.. فقد آن الأوان لتغيير مفاهيمنا النمطية القديمة.