الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
شـكســبير.. عنصــــرى؟!

شـكســبير.. عنصــــرى؟!

لم يكن أحد يتصوّر أن يحدث هذا... 



فالمؤسسة المعنية بتقديم مسرحيات وليم شكسبير ورعاية أعماله وتراثه وهو من أهم رموز بريطانيا، أصدرت على موقعها الإلكترونى فى الإنترنت بيانًا عن الكاتب المسرحى والشاعر العملاق الذى تدرس وتعرض أعماله فى مختلف أنحاء العالم ويعتبر من أهم الرموز فى الأدب الإنجليزى، لدرجة أن يطلق على بريطانيا وصف «بلاد شكسبير».

البيان تحذيرى لجمهور مشاهدى مسرح «جلوب» وهو المسرح اللندنى الذى كان وليم شكسبير يعمل فيه ممثلًا وكاتبًا للمسرحيات التى تعرض عليه منذ أكثر من 400 سنة.

ماذا قال البيان؟ 

قال إن شكسبير عنصري!

«جلوب» هو المسرح التاريخى الذى يعتبر من المعالم الثقافية السياحية للندن عبر مئات السنين، وتم تجديده على مر الزمن وتحوّل إلى مؤسسة ترعى أعمال شكسبير وتقدمها باستمرار، لكنها الآن تحذر الجمهور من أن الكاتب والشاعر العبقرى، يتصف فى بعض أعماله بالعنصرية!

التحذير جاء بمناسبة استعداد المسرح لتقديم عرض جديد لمسرحية «حلم منتصف ليلة صيف» فى الموسم المقبل، وجاء فيه أن هناك ملامح عنصرية ومعاداة للمرأة فى هذه المسرحية وجدنا من واجبنا أن نحذر الجمهور منها.

و«حلم منتصف ليلة صيف» هى مسرحية كوميدية تروى قصة أربعة عشاق متنافسين، تاهوا فى غابة سحرية، ويجرى الاستعداد لتقديمها فى أبريل المقبل. وعند شراء أفراد الجمهور للتذاكر، من الموقع الإلكترونى لمسرح «جلوب» سيواجههم هذا التحذير من «مسائل حساسة» فى هذه المسرحية التى كتبها مؤلفها سنة 1590.

عنف وعنصرية

«إرشادات للمحتوى: المسرحية تتضمن لغة عنف وعداء للنساء وعنصرية».

وفى النهاية يطلب التحذير من هؤلاء المتأثرين بما تتضمنه المسرحية من هذه التيمات، أن يتصلوا بإدارة المسرح، للتعرف بالتفصيل على ما تحتوى عليه.

وقال متحدث باسم مسرح «جلوب» الذى شهد أول عروض لأعمال هذا العملاق فى لندن منذ 433 سنة:

نحن نقدم إرشادات للجمهور قبل عرض أى مسرحية اعتمادًا على ما تتضمنه كل مسرحية، وسيتم تحديث هذه الإرشادات مع بدء العرض.

وقد جاء التحذير بعد أن قرر خبراء تربويون تابعون لمسرح «جلوب» دارسون لشكسبير، أن يقوموا بمحو آثار الكولونيالية والعنصرية والإساءة للمرأة من هذه الأعمال. 

وتقول «هيلارى بانشراش» التى شكلت اللجنة التربوية من هؤلاء الخبراء، إن بعض ما تنطوى عليه مسرحيات شكسبير، كهذه المسرحية «حلم منتصف ليلة صيف» يمكن أن يجعل شكسبير مشكلة.

فمثلًا نجد شخصية «هيرميا» فى المسرحية تهرب من أثينا، لأنها يجب أن تختار بين الزواج على غير رغبتها، أو الإعدام، أو وضعها فى الدير.

 

ريشة أحمد جعيصة
ريشة أحمد جعيصة

 

الأبيض والأسود

ويرى بعض الأكاديميين أن شكسبير يخلق فواصل من الأبيض والأسود تعكس الجوانب السلبية والإيجابية.

وكان مسرح «جلوب» قد فكر فى دراسة أعمال شكسبير وما تنطوى عليه من «ملاحظات تسبب المشاكل» من خلال ما أطلق عليه «حلقات دراسية معادية للعنصرية عند شكسبير».

وفى هذه الحلقات قال الخبراء إن الكاتب المسرحى كان يستخدم لغة عنصرية، ويظهر لنا هذا - كما يقولون - من العبارة الافتتاحية لـ«حلم منتصف ليلة صيف»:  والآن يا «هيبوليتا» البيضاء!

وهذا على العكس من مسرحية أخرى لشكسبير هى «عطيل» حيث البطل من جنس ملون وليس أبيضً، وهنا لا تعتبر المسرحية عنصرية، لكن الخبراء يلاحظون أن العنصرية موجودة فى سياقها من خلال الإهانات التى يتعرض لها البطل الملون «عطيل» نفسه!

بعد 500 سنة!

ويجد الانسان نفسه يتابع هذا التطور فى التعامل مع شكسبير وأعماله، متسائلًا: ألم يفق هؤلاء الخبراء إلى هذه «الملاحظات» عن العنصرية والكولونيالية ومعاداة المرأة إلا بعد حوالى 500 سنة؟!

أين كان الخبراء والباحثون التربويون طوال هذه القرون الخمسة؟

وكيف نقدم للناس فنًا وعروضًا مسرحية نحذرهم منها قبل العرض، هل المطلوب إبعاد الجمهور عن شكسبير؟!

هل سيتطور الأمر وتقوم هذه اللجنة التربوية بإعادة كتابة أعمال شكسبير؟!

هل سيتقرر عدم عرض بعض مسرحيات شكسبير، بعد وصمها ووصمه بالعنصرية؟!

الأسئلة المترتبة على ما يجرى الآن مع أعمال شكسبير، كثيرة ومثيرة للقلق.

لا أحد يوافق على العنصرية والكولونيالية والعداء للمرأة.. لكن لا أحد أيضًا يوافق على التحريض ضد هذا العملاق، لنأخذ منه أحسن ما عنده، فهو تراث إنسانى لم يعد ملكًا خاصًا لبريطانيا، أو لهذه اللجنة التربوية.. المسألة كبيرة وتحتاج لنقاش على مستوى عالمى.