الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماسك الهوا بإيديا

وفجأة لقيت نفسى كبرت.. وبأكبر وهاكبر لسه أكتر.. بصيت فى المراية.. يا ترى هافضل حابة شكلى لحد امتى، بصيت ورايا لقيت حلم.. حلم عشته وما عشتوش، شايفه منه صورة ضبابية فيها طاقة نور وفيها لون رمادى ولون أسود.. زى نيجاتيف الأفلام زمان.. فى ملامح مميزاها وذكريات حلوة لمحاها وفيها سواد فاكراه برضه، فيها حياة بحلوها ومرها بس تفاصيلها رايحة.. يا دوب تشوف شوية ملامح مميزة والباقى راح.. بصيت بين أيدى.. حسيت أنى على رأى عبدالحليم، ماسكة الهوا بأيديا ياحبيبى..



 السنين جرت بسرعة وما لحقتش أعمل كل اللى عايزاه أو بمعنى أصح ما كنتش مركزة أنا عايزه إيه ما كنتش عارفة، كنت باعيش شوية وأخطط شوية وانشغل شوية وكأن الدنيا براح والعمر مش هيجرى، يجرى ازاى ويروح فين.. بصيت على أولادى.. كبروا ما شاالله بس فيهم حاجات مش عاجبانى عايزة أرجع فلاش باك كده أظبطها.. لو ينفع، ركزت فيهم أكتر لقيتهم ماشيين بسرعة بيبصوا أدامهم وأنا مش لاحقة سرعتهم وراهم ييجى بخمسين خطوة فرحانة بيهم بس مش لاحقاهم.. كبروا دخلوا معترك الحياة، عايزة أسندهم خايفة عليهم، بس هما سابقين أدام، مش لاحقاهم، خطوتهم أسرع وأوسع، هما أدام عينى ما بيغيبوش وأنا وراهم بيبصوا عليا كل 100 خطوة يتأكدوا أنى وراهم وعينى بترعاهم، فياخدوا قوتهم منى وخطوتهم توسع أكتر وضهرهم يتشد أكتر ويبعدوا أكتر ، بصيت جنبى لقيت شريك حياتى، واقف يتأمل فيا وفى نفسه، بيبص علىّ من تحت الميكرسكوب.. خلاص شاف كل عيوبى، بيركز فيا اكتر وازاى يقدر يصلح عيوبى دى، ولا خلاص ما بقاش ينفع فيها إصلاح، يبعد أحسن ولا يحاول تانى ويقرب أكتر فيشوفها أكتر هو نفسه بيبص على نفسه بنفس الميكرسكوب، شايف تراب الزمن وآثاره، بيحاول ينفض تراب الزمن من عليه، ازاى يرجع يلمع تانى من جديد، بيعمل كل جهده عشان يفضل واقف على رجله ادام نفسه وادامى أنا وأولاده والمجتمع والناس،  والنتيجة.. أنا ماسكة الهوا بأيديا، ولادى بيبعدوا، جوزى مشغول بنفسه وتلميعها، شغلى أكيد هييجى يوم واتعب منه أو يتعبوا منى، طيب إيه؟ الحدوتة خلصت؟ بس أنا لسه هنا طلعت مرايتى الصغيرة من جيبى، وقررت أبص على نفسى، قررت أشوف نفسى وبس، رفعت أيدى وهى ماسكة المراية ادام عينيا، ما بقتش شايفة أولادى، أما بيبصوا ورا عليا كل 100 خطوة بيلاقونى باصة فى المراية بيفرحوا، بيفتكروا أنى لقيت حاجة تشغلنى وتبسطنى فبيوسعوا خطوتهم اكتر وهما مطمنين أكتر، جوزى كمان ما صدق لقانى باصة فى المراية وقالك الحمدلله انشغلت عنى شوية، وأنا فى الحقيقة باصة فى المراية بادور على ملامحى بتاعة زمان، باشوف ايه اللى فضل وإيه اللى اختلف. 

تعبت من المشى، دورت على أى مكان ينفع أقعد فيه، لقيت كوفى شوب صغير، يافطته لونها أحمر، مفارش ترابيزاته كاروهات حمرا، حسيت بدفء الحياة فيه بالشباب والجمال، بمنتهى الهدوء دخلت، بالراحة سحبت كرسى وقعدت.. أول ما دخلت لقيت صوت موسيقى الجاز ماليه المكان، تناغم رائع بين الموسيقى والمقهى ذو الطابع الإيطالى، فورا جالى الجرسون، راجل أكبر منى فى السن رشيق، شعره أبيض، لابس بنطلون أسود وقميص أبيض ومريله حمرا على وسطه.. 

= حضرتك تؤمرى بإيه؟

= ممكن فنجان قهوة سادة؟

= من عينيا يافندم 

اختفى الراجل من ادامى، بصيت من الشباك جنبى، لقيت جوزى ماشى مش واخد باله أنى مش جنبه، فكرت أنده عليه، وبعدين قررت أسكت، بصيت على أولادى لقيتهم لسه فى طريقهم، بدأوا ينشغلوا اكتر، يصارعوا الحياة وتصارعهم، فكرت اطلبهم، أقولهم أنى قعدت هنا، بس قررت أسيبهم فى اللى مركزين فيه، بلاش اشتتهم وأقلقهم.. 

سرحت مع موسيقى الجاز وديكور المكان وتأمل الناس.. 

أنا مش عجوزة، أنا فى منتصف العمر، لسه فيا شباب، لسه فيا صحة، طيب أفضل قاعدة هنا مبسوطة، وأسيبهم برة.. ولا أجرى ألحقهم؟ هياخدوا بالهم أنى مش معاهم؟ هافضل باصة عليهم ومستنياهم؟.. مش مصدقة عدد السنين اللى عدى، حاسة إنى عاملة زى أهل الكهف، صحيت بعد تلتمية سنة، وكأنهم 3 أيام، ومش عارفة كام يوم عدا، ومش عارفة أنهم تلتمية سنة..

أنا لازم أدور على شغل أو حاجة أشغل نفسى بيها.. فجأة ظهر الجرسون ادامى وحط فنجان القهوة ادامى وكأنه قرا فكرتى واحترمها وقرر ما يقطعهاش.. خدت أول رشفة. عدلت مزاجى وكأنى خدت حباية الآلام، لفت الأفكار فى راسى ورجعت ورا بالذاكرة، لقيتنى شايفة نفسى وأنا صغيرة، وأنا فى الجامعة، وأنا قاعدة نص قعدة فى أوضتى على سريرى.. سانده على دراعى وحاطة على السرير رواية مترجمة ومنسجمة فى قرايتها، أنا كنت باحب اقرا، وبالذات الروايات المترجمة، لدرجة أنى ساعات كنت باجيب روايات صغيزة بالإنجليزى واقعد أترجمها، كنت باحب اللغات، والأدب، ومن وقت للتانى كنت أما بالاقى وقت كنت باقرا رواية ولا مقالة مترجمة على مدى سنين عمرى اكافأ نفسى بيها أما أكون مبسوطة..خدت رشفة تانية.. من فنجان القهوة، ولفت بيا الأفكار أكتر، أنا حاسة أنى عايزة أنزل اشترى روايات مترجمة كتيرة وأقعد أقراها كلها، أو حتى أجيبها بالإنجليزى واقعد اترجمها، هاتسلى وانبسط والله، الله، فكرة حلوة، هاخلص الفنجان ده وهاطلع على المكتبة فورا، خدت الرشفة التالتة، وكأنها كانت رشفة مسحورة ملبوسة بروح شيطانية غريبة.. فجأة لقيتنى باقول، أنا ليه ما أعملش ده مشروع، ليه ما ترجمش روايات إنجليزى وأعمل مكتبة على النت واللى عايز يقرأها يدفع اشتراك شهرى بسيط يسمح له بالدخول للمكتبة الإلكترونية زى ما كنا زمان بنستعير قصص من المكتبة ونرجعها، واللى نفسه يقرأ كتاب معين أترجمه له بمقابل، أنا كنت ولا زلت متفوقة جدا فى اللغات، حسيت أن عينى بتلمع والنشاط بيدب فى أرجاء جسمى وعايزة أقوم أجرى.. مشروع، ممتع، مش مكلف، مش محتاج مكان ولا إيجار ولا معدات، وضعت فنجان القهوة على الترابيزة، شاورت للجرسون يجيب الحساب بسرعة، حطيت الفلوس على الترابيزة ووقفت، لقيت جوزى وأولادى واقفين ادامى، بيسألونى، أنتى هتقعدى ولا إيه؟ قلت لهم بابتسامة عريضة، أبدًا أنا بس كنت باتفرج على المكان، وطلعت معاهم، قلبى بيرقص من الفرحة، مشينا سوا، والأولاد سبقوا، خطوتهم وسعت، بعدوا، جوزى مشى جنبى، بيتفرج على الشارع، ولادى خطوتهم وسعت أكتر وبعدوا تانى أكتر، وأنا ماشيه عينيا بتدور على أول مكتبة أجيب منها اللى محتاجاه للمشروع، ماشية ودماغى فى حتة تانية.. وقلبى بيدق وكأن الروح ردت له، وكأنى صغرت عشرين سنة.. ماشية جنب جوزى وورا ولادى لكن دماغى معايا ولا تزال فى راسى مش فى خطوتهم، وصوت جوايا فرحان بيقول أنا لقيت نفسى وإحساس غريب بفرحة اللقا، مش كسرة الوحدة اللى كنت حاساها من شوية، كل ده من فنجان القهوة، 3 رشفات بالعمر كله، 3 رشفات رجعوا اللى فات.