السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المقاطعة.. عنصر غائب فى ثقافة فقيرة

المقاطعة.. عنصر غائب فى ثقافة فقيرة

على مَدَى الشهرين الأخيرين أصبح الجميع يشكون من الغلاء الفاحش فى أسعار جميع المنتجات، وامتلأت منصات التواصل بالشكوى، وبالنكات الساخرة، وبالسخط والغضب، أو بنشر حكايات عن المستهلكين فى السوبر ماركت الذين يتركون البضائع عند الكاشير لأن الأسعار أكثر من قدراتهم. 



وهذا كله طبيعى جدًا وبديهى؛ لكن المدهش بالنسبة لى أننى لم أسمع اقتراحًا واحدًا من أى طرف بمقاطعة سلعة، أو الدعوة للتوقف عن شراء بضائع مغالى فى أسعارها، أو الاتفاق على مجموعة سلع لتكون محل إجماع على مقاطعتها لعمل ضغط شعبى على التجار الذين يبالغون فى رفع أسعار السلع استغلالاً للحالة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار. 

وكلما قدمت اقتراحًا على وسائل التواصل بمقاطعة السلع فوجئت بالرد التالى: لو قاطعنا كل السلع سنموت من الجوع! أو أن الأمر يحتاج إلى أن نقتر على أنفسنا.  

وبقدر ما أذهلتنى الإجابات بقدر ما كشفت لى أننا شعب لا يفقه ثقافة المقاطعة أصلاً، وأننا قادرون على الاستمرار فى أذية أنفسنا بتبريرات من صياغتنا. جانب منها يُعبر عن تراث ستيناتى تمرّغ فى تراب الحكومة، وينتظر الحل السحرى منها دائمًا.

هل حقائق بسيطة مثل أن تخلى المستهلكين عن سلع بعينها يؤدى إلى تراكمها فى السوق حتى يضطر التاجر لتخفيض أسعارها صعبة على الفهم إلى هذا الحد؟! أو أن مفهوم المقاطعة يعنى إجماع المستهلكين بالامتناع الجماعى عن استهلاك خمس أو ست سلع فقط بالشكل الذى سيؤثر حتمًا على التجار ويردعهم أمر بالغ الصعوبة فى فهمه؟! وهل الشعب المصرى لا يملك فضيلة الاستغناء عن سلع ما أيًا كانت أهميتها من أجل أن يضغط الغنى على التاجر من أجل الفقراء؟! 

ألم يسمع المصريون عن دعوات اليونانيين الراهنة لمقاطعة السلع من أجل وقف زيادة الأسعار؟ ألم يسمعوا عن حملة أثرياء الكويت لوقف زيادة أسعار الأسماك فى السوق والتى أسفرت فى أقل من شهرين عن عودة الأسعار لمعدلاتها الطبيعية؟ ألم يعرفوا أن نقابات حماية المستهلكين الأهلية فى أرجاء أوروبا تدعو بين آن وآخر لحملات شبيهة لوقف استغلال التجار أو محاولات مضاعفة أرباحهم على حساب المستهلك؟ 

هناك أزمة بالتأكيد، وهناك ارتفاع فى الأسعار مُبالغ فيه، ومن المؤكد أن الجهات الرقابية تتحمل دورًا فى الأزمة، ولكن المؤسف أن الشعب المصرى لم يستوعب بعد شيئًا. ولا يزال يريد البحث عن شماعة يعلق عليها كل مشاكله. 

قبل عقدين أو أكثر كنا نسخر من أصدقائنا الأوروبيين لأنهم يشترون الفاكهة بالواحدة واللحوم بالقطعة، والچاكيت يستخدمونه لسنوات بلا عدد، وترشيد الإنفاق ضرورة كان يدعونا لوصفهم بالبُخل. لم نستوعب أن الأوروبيين عرفوا مبكرًا أن للنهضة ثمنًا ولا بُدّ للجميع أن يدفعه. ولم نفهم أن السوق الرأسمالية لا يحكمها إلا العرض والطلب، وأن جزءًا من ذلك يعنى بالإضافة للترشيد خَلق جمعيات أهلية لرقابة السوق وتوجيه حملات المقاطعة. 

هذه هى الثقافة المفتقدة.. أو هذه ثقافة أخرى يتجلى لنا اليوم كم هى فى مجتمعنا فقيرة.