
جيهان ابو العلا
وداعاً عبدالنور مُعلمى الأول
دائمًا يباغتنا زلزال الموت ولا يترك لنا مهلة لنفعل ما كنا نبغ.. ومن توابعه أن أجد نفسى أكتب رثاءً عن أستاذى محمد عبدالنور بدلاً من أن أشكره، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.. صحيح تتداخل شخوص كثيرة فى ذاكرتك عندما تسترجع شريط حياتك المهنية وأصحاب الفضل فيه، تتذكرهم بالخير والعرفان، لكن يظل فى ذاكرة التقدير والعرفان ركن خاص لأول وجه بشوش ابتسم فى وجهك وأنت تخطو خطواتك الأولى فى عالم صاحبة الجلالة ليعطيك الثقة فى نفسك، أول يد امتدت لك وأول درس تلقيته، أول من آمن بقدراتك وأول من حفز شغفك وأكثر من شارك فرحتك بأول نشر.. هذا الركن الخاص بكل ما سبق يقبع فيه أستاذى ومعلمى الأول محمد عبد النور.
صحيح اختلفنا فى وجهات النظر لفترة.. لكن يظل عبدالنور يتمتع بهذا الركن الخاص من العرفان والامتنان.
فالفرصة الأولى ودخول بلاط صاحبة الجلالة كان من خلاله، كان حلمى الصحافة ولا أعرف كيف الوصول وطرق الأبواب.. إلى أن وضعه الله فى طريقى.. من خلال برنامج تليفزيونى شاهدته صدفة سنة 93 وكان لقاء فى حفلة تقيمها روزاليوسف والمذيعة أدارت معه حوارًا هو وزوجته الإعلامية هالة حشيش.
انتبهت له جيدًا وربطت بين اسمه والاسم الذى يردده أخى الكبير عن صديقه عمر رحمة الله عليه وابن أخته الصحفى هشام عبدالنور ربما هو، فالمشترك اسم عبدالنور فسألته هو هشام ولا محمد فقال: الاتنين فهو فى العائلة والأصدقاء هشام والحقيقى محمد، وبالفعل ذهبت إليه للمرة الأولى وكان سكرتير تحرير وقتها، فوجدت شخصًا يتصرف بمنتهى الرقى والذوق ويجيد الإنصات لشابة جديدة ليس لديها سوى الحلم وبعض الأفكار، وبالفعل كان هذا اللقاء نقطة تحول فى حياتى كلها فقد أعطانى دفعة ثقة وقال لى: ابدئى وانطلقى، وفى نهاية اللقاء قام وأوصلنى إلى باب الأسانسير بكل ذوق وتواضع ومرت السنوات.
اشتغلت مع ثلاثة رؤساء تحرير إلى أن جاء هو رحمة الله عليه رئيسًًا للتحرير.
لينطلق فى تجربته الصحفية بضخ دماء جديدة من الشباب واستعان بجيل الوسط، وكان أول من أعطى مناصب وغير الترويسة ووضع عليها أسماء نواب رئيس التحرير ورؤساء الأقسام، وأعطى لجيلنا فرصة جديدة ليشاركه المسئولية ويتقلد مهام ومسئوليات إصدار المجلة وقيادة وتدريب الشباب الجدد. وللمرة الثانية يعطينى الفرصة واختارنى لرئاسة قسم الأخبار، ثم مساعد رئيس تحرير.
عبدالنور كان شخصية عجيبة وفريدة يجمع ما بين سمات وصفات ابن البلد (ابن السيدة زينب بحكم المولد والنشأة) بكل ملامحها من الجدعنة والذوق والتواضع، (صاحب صاحبه) وبين ابن الناس الشيك (ابن مصر الجديدة) خريج الآداب فرنسى الذى يجيد اللغات ويتعامل مع أعلى فئات المجتمع، فلم يكن غريبًا أن تراه فى الصباح يجلس فى مقهى عادى بشارع قصر العينى أو المنيرة ومساءً تجده فى كوفى بسيتى ستارز مع نخبة من علية القوم.
وحتى يحين اللقاء فى معية الله.
رحم الله أستاذى الأول الذى لم ولن أنكر فضله على حياتى المهنية.