الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أستاذى العزيز.. شكرًا

أستاذى العزيز.. شكرًا

ابن السيدة زينب المُقبل على الحياة الأصيل الشهم، فرانكفونى التعليم والثقافة.. نشأ وسط أسرة دافئة وتفاصيلها الإنسانية ثرية، فهو الابن الأكبر لأم حنونة معطاءة حريصة على التفاصيل الإنسانية الدافئة، وزرعها فى تكوينه وسط حى يشبهه ويحمل من طباعه الكثير، ولأب مثقف دؤوب لا يكل فى البحث عن المعلومة والترحال بين المهرجانات العالمية وهو الكاتب والناقد عبدالنور خليل.. منزلهم مفتوح للأدباء والفنانين والمثقفين.. طفل نشأ فى حى السيدة زينب فى بيت كرم يستضيف مثقفي مصر ونخبتها الفنية والثقافية، هذه المعادلة كان نتاجها تركيبة إنسانية ثرية متفردة لشخص استثنائى.. شخص متفرد محظوظ من يمر بحياته وينهل من معرفته وعلمه ومحبته.



 «أستاذ محمد عبدالنور»

تلقيت مكالمة عام 2009 من الشاعر العظيم محمد حمزة يخبرنى بضرورة الالتقاء به فى مؤسسة روزاليوسف غدًا قائلًا: «ابنى محمد عبدالنور تولى رئاسة تحرير صباح الخير، محمد راجل محترم وهتحبى الشغل معاه ده ابنى اللى مربيه، وصباح الخير طول عمرها هوانم وانتى هتكونى من هوانم صباح الخير»، وإذا وصف أستاذ محمد حمزة شخصًا بهذه الصفات فأنا إذا متأكدة من صفاته تلك واستحقاقه لتلك الإشادة.

فى مرحلة كنت مرتبكة فيها ولا أدرى من أين أبدأ خطواتى التقيت أستاذى فى مكتبه لأول مرة، فرغم صداقته لوالدى كان هذا لقاءنا الأول، لقاء أزال كل الارتباك.. لقاء كان بداية طريق كان هو فيه المرشد والمعلم والصديق والداعم. 

محظوظ من كان رئيسه فى العمل دؤوب ومُنصف ومتحمس للشباب، وهكذا كان « محمد عبدالنور».. اسمه أصبح صفة الهدوء والعطاء ولين القلب فى مؤسستنا الحبيبة، فكانت جملة «يا بختكم بأستاذ عبدالنور» جملة أسمعها كثيرًا من زملاء فى المؤسسة وحقًا تأكدت من هذا عامًا بعد عام.

فمنذ أن وطأت قدمى مكتبه لأول مرة ولم نفترق أبدًا.. كان بوصلتى وطوق نجاة، والمُعلم وصوت الضمير، مللت كثيرًا وارتبكت أحيانًا وكان هناك لحظات أفكر فيها فى الانسحاب ولكن حماسه وتحيزه الدائم لى كان هو سبب التراجع، فقط كى لا أخذله وجملته التى لن أنساها  «أنت مشروعى، لو مش شايف فيكى حاجة كنت هقولك امشى». 

محمد عبدالنور كان رزقًا لمن حوله، رزقًا من العطاء والعلم والنصح فى كل جوانب الحياة... لم يرد بابه لسائل نُصح أو علم، تابعته على مر السنوات يستقبل الجميع بوجه باسم لا يرد أحدًا، سألته منذ سنوات ألا يرهقك هذا؟ وكانت إجابته هى درس العُمر لى أجابنى قائلًا: «يا مى اللى بيطلب حاجة أيًا كانت هى إيه.. مجرد الطلب والسؤال هى قلة حيلة منه، تخيلى لما تساعدى حد قليل الحيلة لجأ ليكى تبقى إيه عند ربنا» هذا هو أستاذى، أستاذى الكريم البشوش.. هذا هو من أمضيت سنواتى الأولى من عملى الصحفى أتعلم من مهنيته وأخلاقه وإنسانيته، فكيف أنساه وأتجاوز الحزن على فقده الذى ترك ندبة فى القلب ، فهو عاش بقلب هين لين وبأخلاق فارس نبيل فى زمن عنوانه النفعية.

يقظ دائمًا مشتبك دائمًا مع الحياة وكان هذا عنوان مقاله لسنوات «اشتباك» ويبدو أن هذا الاشتباك كان قدره، ولكن قلبه كان دائمًا نابضًا بالخير والمحبة والحلم بالأفضل.

شكرًا أستاذى العزيز على كل لحظة.. شكرًا على كل معلومة ونصيحة أكاد الآن أسمعها بصوتك، شكرًا على كل كلمة إنصاف وتشجيع فى أحلك المواقف، كلمة تشجيع وأمل كانت تضيء لى الطريق كلما ضاقت علىّ الأرض بما رحُبت وكنت أنت دائمًا إلى جانبى بالنُصح والرشد.. شكرًا أن وجودك علّمنى أن قرابة الدم وحدها ليست الأقوى، بل هناك روابط إنسانية أخرى قد تكون أقوى، شكرًا إنك علمتنى برحيلك الذى آلمنى كثيرًا أن السيرة الطيبة هى الأبقى والأهم.. حتمًا سأفتقدك وليعيننى الله العزيز القدير على تجاوز أزمة وألم فراقك، باغتنا رحيلك الهادئ الراقى الذى يشبهك كثيرًا، ولكنى أعلم أن روحك الآن تنعم بالهدوء الذى تستحقه والذى بحثت عنه كثيرًا، لقلبك ولروحك السلام يا أستاذى العزيز.