السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الدنيا بعينيه

الدنيا بعينيه

وكأن شهر فبراير يأبى ألا يتركنى إلا ويزيد الجروح جرحًا ويدمى القلب بألم جديد، فمنذ عامين، كنت قد ودعت أبى وودعت معه كل شعور بالأمان والسند، وقبل ثلاثة أيام فقط من حلول الذكرى السنوية الثانية لوالدى، رحل الأستاذ محمد عبدالنور، أبى الروحى وأستاذى ومعلمى الأول وصاحب الفضل فى أن أكون ضمن كتيبة مجلة صباح الخير.



لم يكن الأستاذ محمد عبدالنور شخصًا عاديًا قد مر بحياتى، فأثره تخطى حياتى المهنية ليترك تأثيرًا أعظم فى تكوين شخصيتى وترسيخ عدد من المبادئ والأفكار بها.

«أستاذى» -هكذا كنا نناديه- كان يعشق الصبوحة وكان يطلق عليها «مشروعه»، فكان يواصل الليل بالنهار حتى تصدر المجلة فى صباح كل يوم ثلاثاء وفقًا للصورة التى دائمًا ما رسمها فى خياله.

ولأنه كان مؤمنًا بضرورة ضخ دماء جديدة وأنه لن يستطيع إحداث أى تغيير إلا بأفكار الشباب «المطرقعة»، عكف «أستاذى» على ضم أقلام جديدة نابضة بالحياة «مثله» للعمل ضمن كتيبة الصبوحة، فاستقبلنى أنا «وزميلاتى البنات» بروحه الشابة وأعطانا من خبرته المهنية واستمع إلى أفكارنا وأصبحنا أيضًا «مشروعه وشغله الشاغل»، فكان نهرًا من العطاء اللامتناهى، لم يبخل علينا بأى نصيحة، أعطانا المصادر، أفرد لنا صفحات، أصر على أن تكتب أسماؤنا مع أول موضوع. أذكر أنه كان يقيم اجتماعًا يوميًا لعمل عصف ذهنى وعرض الأفكار لإعداد ملفات قوية وشائكة، وكثيرًا ما كانت تشهد غرفته الكثير من النقاشات الساخنة فى كل موضوعات الحياة، نقاشات لا يمكن أن تدور فقط بين أستاذ وتلاميذه، إنما بين أب وبناته، لذلك أطلقوا علينا «بنات عبدالنور».

نعم أنا ابنة محمد عبدالنور المحبة المخلصة التى دائمًا ما افتخرت وما زالت تفتخر بهذا اللقب. لم تكن لأتخيل يا «أستاذى» أن أشهد وفاتك أو أن أكتب أى كلمات فى وداعك، فكيف ترحل هكذا وقد كنت الحياة بالنسبة لى، وكنت أنظر للدنيا بعينيك، برحيلك فقدت الأمان والسند للمرة الثانية فقد كنت الداعم والناصح والملاذ.. أعدك يا أستاذى أن أبقى على العهد حتى اللقاء، ستظل فى قلبى وستظل أفكارك هى «نور» لن ينطفئ بداخلى.