الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رصد شكل المجتمع المصرى

«الزمن وأنا».. فاروق فلوكس يوثق 85 عامًا

درس الهندسة والقانون وعشق الفن بكافة أنواعه، عاش وعاصر أزمنة مُختلفة اجتماعيًا وفنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فقد ولد فاروق توفيق صالح مُبارك الشهير بـ فاروق فلوكس عام 1937، وعاش مسيرة عمرها 85 عامًا من التجارب والحكايات والمواقف، التى رصدها جميعًا فى مُذكراته بعنوان «الزمن وأنا» للكاتب الصحفى حسن الزوّام، التى صدرت مؤخرا عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، فى الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب.



التحق «فلوكس» بكلية الهندسة فى عام 1956، وخلال فترة الدراسة انضم لفريق التمثيل بالجامعة، وبدأ التمثيل على خشبة المسرح فى حقبة الستينيات مع الفنان فؤاد المهندس من خلال مسرحية «أنا وهو وهى»، كما أدى عشرات الشخصيات المُساعدة فى السينما والتليفزيون.

 

 

 

مجلة «صباح الخير» حاورت الكاتب الصحفى حسن الزوّام، كاتب مُذكرات «الزمن وأنا» للفنان القدير فاروق فلوكس، للنقاش حول فكرة المذكرات، وهل هناك جوانب تم التركيز عليها فى كتابتها، وكيف كُتبت، وأبرز الشخصيات التى تناولتها، وماذا عن فصولها وأبرز حكاياتها.

فكرة التوثيق

يقول الزوّام إن المُخرجة يُسر فلوكس ابنة الفنان فاروق فلوكس أرادت تخليد مسيرة والدها، لأنها ترى أنه يستحق ذلك، وسجلنا قُرابة 50 ساعة على مدار خمسة أشهر، فالفنان القدير حكّاء بامتياز، وبدأت فى الكتابة ثم الرجوع إليه فيما كتبته إلى أن وصلنا لمرحلة التوثيق، لأن المُذاكرات حملت شهادات تمس أعمالًا وشخوصًا وتجارب إنسانية.

ويشير إلى أنه كان من الضرورى توثيق كافة المعلومات وقد ساعده الفنان القدير فى ذلك، لأنه كان يحتفظ بما يُثبت كل كلمة يقولها فى هيئة صورة أو ورقة أو تذكرة طيران أو تذكرة مسرح أو كُتيّب خاص بعرض مسرحى، مضيفا: «ولكن على الرغم من مساعدته فإن هذه المرحلة كانت مُرهقة للغاية لى لأننا كنا نراجع كما هائلا من الملفات والمستندات والصور، وبعد الانتهاء من مرحلة التوثيق دخلنا فى مرحلة الإضافات التى استغرقت شهرين متواصلين، فقمت بالتعديل فى النسخة النهائية قبل تسليمها لدار النشر بـ 20 دقيقة».

 

 

 

ويؤكد على أنه فى السيّر الذاتية ليس كل ما يُعرف يُقال، فالمذكرات تقول كل شىء دون إيذاء أو إحراج لأحد، قائلا: «كما كتبتها بلُغة الفنان فاروق فلوكس فقد سجلت 50 ساعة (خام) وانتقيت منها ما يصلح للنشر ويُعبّر عنه بشكل جيد».

لماذا « فلوكس»؟!

يشير حسن الزوّام إلى أنه شرع فى كتابة مذكرات الفنان فاروق فلوكس لأن الأخير عاصر مراحل وعهودًا مختلفة، بدءًا من الملكية وأحداث 4 فبراير وحريق القاهرة، إلى ثورة يوليو وأحداث مارس المرتبطة بمجلس قيادة الثورة، وعزل محمد نجيب وتولى الرئيس جمال عبدالناصر الحُكم، واغتيال الرئيس السادات وانتقال السلطة للرئيس الأسبق محمد حُسنى مبارك، فقد عاصر كافة أحداث مصر فى التاريخ الحديث.

تابع: «المُذكرات ليست مذكرات فنية ولا وقائع سياسية ولا أحداثًا اجتماعية، فهى مسيرة للأحداث والفن فى مصر من خلال وجهة نظر شخص مُبدع عاش منذ عام 1937 إلى وقتنا الحالى، فحياته غنية، لأنه ليس ممثلا فقط ولا دارسا للقانون والهندسة فقط لكنه مؤلف ومُخرج لعدد من الأعمال، كما ألّف قاموسًا للأطفال وله كتب لم تنشر أيضا، فلديه كُتب فى تاريخ السيرة الإسلامية ولديه كتاب فى الثقافة والقراءة.. شخص مُتعدد المواهب ومكتبته تحوى أكثر من 30 ألف كتاب».

 

 

 

 سياق المذكرات

يضيف حسن الزوّام: «أخذت سيّاق المذكرات وفقا للترتيب الزمنى فبدأت منذ أحداث الميلاد، فالحى الذى نشأ فيه ترك خلفه أثرا كبيرا، فقد ولد فى منزل مقابل لقصر عابدين وكان فى هذا التوقيت قصر عابدين قلب الأحداث السياسية، وبطبيعة الحال أصبح فاروق فلوكس لديه اهتمام بالشأن العام لأنه نشأ وسط تنوع ثقافى كبير، فأصبح صاحب وجهة نظر ورؤية مُختلفة. كما كان شغوفا بالقراءة وقد ساعده والده كثيرا فى ذلك، فأصبح لديه وعى كبير، ونتج عن وعيه هذا أن أصبح فنانا متفردا وصاحب وجهة نظر حتى لو لم يكن من نجوم الصف الأول وفقا لحسابات الفن».

يواصل: «الفنان فاروق فلوكس كان لديه شغف كبير بدراسة الهندسة، فقد درس فى كلية الهندسة وعمل بها حتى وصل لدرجة وكيل وزارة، وفى الوقت ذاته يسير فى مسيرته الفنية، كما حصل فى الستينيات على ليسانس الحقوق، فأصبح دارسا للقانون والهندسة وعاشقا للفن، أى أن وعيه مختلف عن الشخص الموهوب فقط. كما تولى رئاسة النشاط الفنى بكلية الهندسة فترة الستينيات فى الوقت الذى كان يتولى ذلك فى كليات أخرى أسماء صنعت تاريخ الفن فى مصر كالفنان فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى والضيف أحمد وسمير غانم، فكان المسرح الجامعى فى هذا الوقت شيئا عظيما، وأثناء تسجيلى للمذكرات رصدت بدايات حركة المسرح فى فترة الستينيات، فالكتاب أخذ خطوطا كثيرة فى الفن والهندسة والقانون والسياسة، ومعها قصص مُمتعة للغاية عن علاقته بالفنانين وتسميته بـ فلوكس، فقد قدّم ما يقرب من 250عملا فنيا كل عمل منها له قصة أو رأى فى فنان.. وبالتالى من سيقرأ المُذكرات سيحصل على جرعة تاريخ سياسى وفنى وتحولات ثقافية وحكايات فنية».

 

 

 

 

«الزمن وأنا»

وبسؤاله عن تسمية الكتاب بـ«الزمن وأنا»، أشار الزوّام إلى أنه كان من اقتراح الفنان فاروق فلوكس، حيث اتفقا على أن الزمن له قوة قاهرة لا يمكن مقاومتها، فهى قوة لا تتوقف، مضيفا: «فاقترحت أنا فى البداية تسمية الكتاب بـ (وابور الزمان) لأن الزمن مثل القطار يسير على القضبان ولا يهتم بمن يمر، ولكنه كان منحازا لاسم «الزمن وأنا» فتناقشنا إلى أن استقر بنا الحال على هذا الاسم، لأن جوهره أن الزمن يمضى وهو الأساس فنحن شخوص تمر على الزمان وننتهى ولكن الزمن لا يتوقف بانتهائنا، فوضع نفسه فى محازاة الزمان لأن هذه الفترة اقتطعها من الزمان كى يروى تجربته».

ويكشف الزوّام عن أبرز الحكايات التى تضمنتها المذكرات قائلا: «تضمّنت المذكرات قصة علاقة الفنان فاروق فلوكس بالفنان إبراهيم سعفان والمُخرج محمد فاضل والفنان رشوان توفيق والفنان فؤاد المهندس والفنان عادل إمام والفنان سعيد صالح والفنان عبد الله فرغلى، فكل هؤلاء النجوم قد احتك بهم عن قرب وعمل معهم وله قصص معهم منها ما يُبكى ومنها ما يُفرح، فالكتاب ثرى للغاية».

مذكرات فنية؟!

تابع: «الكتاب قسّم لـ 15 فصلًا، والفصل الأخير يتضمن صورا فقط، بينما بقية الفصول ترصد أهم التغيّرات، فالفصل الأول بعنوان (جار القصر) لأنه كان يسكن فى ميدان عابدين فى منزل يُطل على قصر عابدين، ويُشاهد الملك أثناء دخوله وخروجه. كما أن هناك قصة عن صديقه اليهودى الذى هاجر إلى إسرائيل فى عام 1969، وقصة أخرى عن تعلمه للرسم فى مرسم صاحبه اليهودى، فالكتاب قرابة 500 صفحة مُقسم لـ300 قصة و300 حدث فى حياته وكل قصة مُنفردة ومُنعزلة عما سبقها وما يليها».

وخلال حديثه لمجلة «صباح الخير» يقول الكاتب حسن الزوّام إن جزءًا كبيرًا من حياة الفنان فاروق فلوكس ليس فيها فن، فالفصلان الأولان من المذكرات كانا عن النشأة والثقافة وتطوعه فى وقت من الأوقات فى المقاومة الشعبية إبان العدوان الثلاثى. كما أن بها قصص حب فهى ليست مذكرات فنية ولكن بها حكايات عندما تقرأ تعلم شكل المجتمع كيف كان فى الفترة التى حدثت فيها الحكاية، والمواقف الاجتماعية والفنية والسياسية على مدار الفترات التى عاشها، وكيف تختلف من فترة لأخرى.