الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«أزمة منتصف العمر» .. كل هذا الجدل!

 أثار  مسلسل «أزمة  منتصف العمر» والذى عرض على إحدى المنصات الإلكترونية للمخرج كريم العدل ومن بطولة ريهام عبدالغفور وكريم فهمى الكثير من الجدل على «السوشيال ميديا»، فمع بداية عرض حلقاته الأولى اتخذ  البعض موقفًا مسبقًا رافضًا مشاهدته، بينما انتقده البعض الآخر  بحجة عدم ملاءمة الفكرة لمجتمعنا.



وارتكزت  الأزمة الحقيقية للمسلسل فى رصد حياة بطلة المسلسل التى تمر بأزمة منتصف العمر.. حيث يرفض الكثيرون فى مجتمعنا الاعتراف  بها عند الحديث عن المرأة، وفى المقابل يعترف المجتمع بها ويبررها للرجل.

 «صباح الخير» سألت خبراء علم النفس والاجتماع عن طبيعة  هذه المرحلة العمرية وهل  من الضرورة أن تشعر بها كل امرأة؟ سواء كانت مستقرة فى حياتها ومتحققة أو لا؟ وهل وجود زوج متفاهم يعفى المرأة من المرور بهذه الأزمة؟ وما مراحلها وأعراضها؟ وما المدة التى تستغرقها المرأة حتى تعبر تلك الفترة الصعبة؟ وما دور  الزوج والأسرة فى دعمها؟ وهل لا يزال وطؤها شديدًا حتى مع تقنيات التجميل المختلفة والمتعددة الجراحية وغير الجراحية؟ 

 إعادة الحسابات 

 الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع بجامعة بورسعيد قالت: الموضوع يختلف بين الرجل والمرأة، فالرجل تتحكم فيه ثقافة ذكورية ترتكز فى القدرة على جذب النساء، فهو دائمًا يفكر أنه سى السيد رقم واحد والمرأة هى رقم اثنين، وفى سن الخمسينات تبدأ القدرات الطبيعية تختلف عن فترة الشباب، فتزيد حاجته أن يثبت لنفسه أنه لا يزال فتيًا ويبحث عن علاقات نسائية.. ويزعم أنه مرغم ومدفوع بالاحتياج ويحزن لأن الشباب ولّى فيظل يقاوم حتى لا يصل لهذه المرحلة، ولذلك فأزمة منتصف العمر بالنسبة للرجل تكون مرتكزة على علاقته بالمرأة وبالجنس. 

وتكمل رضوان: على عكس المرأة فأزمة منتصف العمر عندها ليست احتياجًا للرجل بقدر ما هى احتياج للود والحنان والعلاقة الإنسانية، فتبدأ «تعيد حساباتها» هل وجدت ما كانت تحلم به؟ وهل حققته ؟ 

 وهل وجدت الحب والحنان أم لم تجده؟ هل كانت راضية عن حياتها العاطفية؟ وهل شعرت بالإشباع  الروحى والنفسى والعاطفي؟ وكلها أسئلة مشروعة تتردد فى ذهن المرأة فى هذه المرحلة العمرية. 

 

 

 

 

وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك فإن ما يؤلم المرأة ويجعلها تدخل فى أزمة فى الملامح والشكل  وعلامات الزمن، فالرجال لا تظهر عليهم ملامح الكبر بل إن بعضهم يزداد وسامة فى الخمسين، لكن المرأة غالبًا من سن الأربعين تبدأ تفقد الكثير من جمالها، حتى مع التقنيات الجديدة والتجميلية التى تصلح البشرة وتخفى لحد ما علامات السن تظل تشعر بداخلها بسنها وتعرف أن الناس تعرف سنها. 

وتضيف: تبدأ المرأة تسأل نفسها عن ما حققته وسواء حققت شيئًا أو لم تحقق فهى مرحلة قاسية جدًا لا مفر من معايشتها، فنحن شباب صغار لا يفرق معنا أن النهاية قادمة ويكون الموت وكبر السن بعيدًا عن تفكيرنا ولا نتخيل ونحن شباب أن الرحلة أوشكت على الانتهاء، ولذلك فأزمة منتصف العمر هى حالة نفسية وقلق من النهاية، وهى شعور طبيعى يشعر به الجميع رجالًا ونساءً ومن لا يشعر بها إنسان غير طبيعى، فنصف العمر ولّى وبدأ العد التنازلى للنهاية، فبحث الإنسان عن ما افتقده فى النصف الأول، وهو نوع من التشبث بالحياة  لكنه يتخذ شكلًا مختلفًا حسب شخصية المرأة.. نجاحاتها وإحباطها، القيود التى كانت تكبلها وتريد التحرر منها فى هذه المرحلة. 

 وتشير رضوان إلى اختلاف السلوكيات والتصرفات من امرأة لأخرى طبقًا لشخصيتها وأفكارها والمجتمع الموجودة فيه، فليس شرطًا أن تمر النساء خلالها بعلاقات عاطفية، فهذا يعتمد على مدى حاجة المرأة للجنس الآخر، ونحن مجتمع متدين يرفض هذه العلاقات فى نفس الوقت ويعتبر الطلاق كارثة، كما أن الوازع الدينى يتحكم فى تفكير وسلوكيات النساء. 

 وتوضح أستاذ علم الاجتماع أنه لا يوجد سلوك محدد للمرأة فى هذه المرحلة أو مقياس لتصرفاتها، فالتعميم مستحيل وهو خطأ فادح، فلدينا فى مجتمعنا كل أصناف السيدات منهن من تُطلّق كى تتزوج، ومنهن من تدخل فى علاقة فى غير إطار الزواج، ولدينا من تهتم بماكياجها بشكل لافت ومبالغ فيه، ومنهن من تتجه لأن تكون سيدة من سيدات المجتمع تشارك فى الأعمال المجتمعية، ومنهن من تعوض ما فاتها، فإن كانت مشغولة فى فترات الشباب بعملها وأطفالها قد تعطى وقتًا أكبر فى المرحلة التى نتحدث عنها للمجتمع وللخروج وللأصدقاء، فكل امرأة حسب شخصيتها وتربيتها وظروفها.

اتهامات جزافية 

 أما الدكتورة رحاب العوضى أستاذ علم النفس السلوكى وصاحبة كتاب «تخطيت الأربعين» فتقول: إن المجتمع يرى فى المرأة التى وصلت لمرحلة منتصف العمر عجزها عن الإنجاب، وأنها أصبحت كبيرة سنًا مصابة بأمراض هشاشة العظام والضعف العام والهبوط الهرموني، وتلك هى الفكرة المتوارثة. 

 وتضيف: فى الوقت نفسه ترى المرأة نفسها وحيدة بعد انشغال الأبناء عنها سواء بالعمل أو الدراسة أو الزواج، وللأسف تصاب المرأة أكثر بالاكتئاب والقلق العصبى والشعور أن العمر تخطاها ولم تقدم لنفسها شيئًا، وعلى عكس المتعارف عليه تشعر المرأة بأزمة المراهقة المتأخرة كلما كانت أكثر راحة وأكثر فراغًا ولكن المرأة التى لديها تحديات ومسئوليات مختلفة نجد أن انغماسها فى المشاكل والتحديات بالنسبة للأسرة والعمل تأخذ من وقتها وطاقتها العاطفية والعقلية. 

 وتشير إلى أنه دائمًا ما تتوقف أزمة منتصف العمر عند عدة أشهر من الاكتئاب والتساؤلات من المرأة لنفسها وعما أنجزته بحياتها، ثم تستكمل رحلتها بالحياة، ولكن تظل تدافع عن نفسها وكأنها متهمة من نظرة الآخرين وخاصة الزوج أنها كبرت وأنها لا تستطيع العطاء.

وتضيف العوضى أن المرأة بعد هذه السن ليست لها أى مشاكل نفسية خاصة ولكن ما يحدث فى سن الأربعين هو تجميع للمراحل السابقة من الحياة، وإذا كان الإنسان  سعيدًا فى المراحل السابقة تكون مرحلة عادية يزيد عليها فقط المشاكل الهرمونية، ولكن فى حالة إذا كانت الحياة صعبة وبها الكثير من المشاكل وعدم التوافق  العاطفى والاجتماعى تنتظر المرأة التغيير بسن الأربعين، وقد تصاب بإحباط لعدم حدوث تغيير منتظر، وقد تشعر المرأة بضياع العمر، إذا ضاع العمر بلازواج، أو بلا حب صادق أو إذا أساء الأبناء وخيبوا آمال أهلهم بعد الأربعين. 

وتنصح العوضي أن نربى البنت منذ الصغر على أن سعادتها تنبع من الداخل وأن الرضا عن النفس ليس مكانه آراء وكلمات الآخرين وتقييمهم للمرحلة العمرية، لافتة إلى أن المرأة بالريف والصعيد أكثر عُرضة للاكتئاب إذا كانت حياتها فارغة وأكثر ابتعادًا عن الاكتئاب إذا كان لديها الأحفاد والأبناء الموجودين معها بنفس المنزل أو المكان، وتستطرد: للأسف حصرت بعض الأعمال الفنية أزمة منتصف العمر أن المرأة لديها رغبة خاصة بالزواج أو تغيير الشكل للحصول على الإعجاب الذكورى بها، وحقيقى قد يحدث هذا ولكنه ليس مرتبطًا بالمرحلة بل مرتبط بطبيعة الشخصية، والسلوك الشخصى وغياب ظروف ضاغطة للمرأة ثم وفاة الزوج أو الأب وابتعاد الأبناء وليس له علاقة بهرمونات أو سن. 

اهتمام بالرجال

 واعتبر الدكتور أحمد خيرى حافظ أستاذ علم  النفس الإكلينيكى بجامعة عين شمس أن أزمة منتصف العمر أزمة جوهرية وأساسية للبشر جميعًا، والفرق أن البعض يشعر بها والبعض لا يشعر بها على الإطلاق، وهم فى الغالب الأشخاص الذين تكون حياتهم مستقرة طبيعية فيها مشاغل وإنجازات وتواصل اجتماعى حميم واهتمام بالمستقبل، وكل هذا يجعل الإنسان ينشغل عن أزمة منتصف العمر ويعتبرون العمر مجرد رقم فى البطاقة. 

 

 

 

 

ويوضح بالنسبة للمرأة فإنها تمر بعثرات خلال أزمة منتصف العمر أولها: انقطاع الطمث، والدخول فى سن اليأس وهى مرحلة جوهرية للمرأة، ويتبع سن اليأس توقف وتغير لهرمونات الجسم وهو تغير بيولوجى، فلم يعد جسمها كما كان من قبل، وأصبح له طلبات وأحساسيس مختلفة.

ويضيف: إن المرأة فى مجتمعاتنا العربية ترتبط لحد كبير بفكرة أن الأنثى مطلب للرجل وبالتالى إذا غابت مظاهر الأنوثة وأعراضها فمعناها غيابها كأنثى وفقدانها لأهميتها بالنسبة للرجل، وللأسف الشديد أساليب التنشئة الاجتماعية تعطى قيمة عالية لاهتمام الرجل بالنساء، فالمرأة تبحث عن الاهتمام بكل صوره، لذلك فغياب الاهتمام يكون ضربة قوية لأنوثتها، وبالتالى فأزمة منتصف العمر هى مرحلة تمر بها جميع النساء باختلاف طبقاتهن لكن سلوكهن يتأثر طبقًا لمكان وجودهن. 

ويشير خيرى إلى أن المرأة فى الريف تلعب دور الجدة والحكيمة وتنتقل من الخجل من الرجال للتعامل معهم ببساطة، أما فى المجتمعات الحضرية فتعود المرأة لمراهقتها فيزداد اهتمامها بالماكياج والملابس، وإذا كانت غير متزوجة يمكن أن تقع فى غرام شاب صغير وتتزوجه بما يتنافى مع الطبيعة. 

أستاذ علم النفس الإكلينيكى لفت إلى أن أزمة منتصف العمر أزمة مفصلية، بمعنى إما أن تؤدى لاستمرار التوازن النفس للمرأة وتكملة مشوارها الإنسانى، وتؤدى لاضطرابات نفسية عميقة وأشهر الاضطرابات المتعلقة بأزمة  منتصف العمر هى الاكتئاب، مشيرًا إلى أن عدد النساء اللاتى يصيبهن الاكتئاب ضعف أعداد الرجال، فكل امرأتين يقابلهما رجل واحد فى الاكتئاب، وأصبح الاكتئاب تعبيرًا مهمًا عن آثار أزمة منتصف العمر عند المرأة. 

وحذر خيرى الأطباء من تشخيص الاكتئاب الخاص بأزمة منتصف العمر عند المرأة بأنه اكتئاب رئيسي، لأنه فى النهاية اكتئاب عابر، لأننا إذا أعطينا أدوية واعتبرناه اكتئابًا عاديًا ستطول مدته.

وأوضح أن المدة التى تستغرقها المرأة للخروج من اكتئاب أزمة مننتصف العمر تتوقف على طبيعة المرأة، فالحالات التى عالجتها تراوحت ما بين سنة إلى ثلاث سنوات. 

 والحالات التى تخطت الأزمة خلال سنة عبرتها بمساندة اجتماعية ونفسية، أما التى استغرقت ثلاث سنوات كانت فترة كافية حتى تتفهم المرأة طبيعة المرحلة وتهدأ الهرمونات. 

 وعن دور الزوج فى هذه المرحلة قال حافظ: إنه دور أساسى ومحوري، فالأسرة التى لا تراعى أزمة منتصف العمر عند المرأة تضعها فى خطر شديد قد يؤدى للطلاق أو العنف الأسرى والخلافات الشديدة التى تؤثر على الأبناء، فالأسرة لا بد أن تكون متفهمة، مساندة حنونة تطبطب على المرأة، وعلينا أن لا ننزعج كثيرًا عندما تتغير ملابس المرأة وتصرفاتها وشكلها ونراعى خطورة المرحلة التى تمر بها.