الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

على فرزات.. الفنان الذى انتصر على عقدة الخواجة

أهدى رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالغني، إلى مجلة «صباح الخير» حلقاته المميزة عن جيل الأساتذة من رسامى الكاريكاتير، قبل أن يجمعها فى كتاب يوثق خلاله رحلة هؤلاء مع أحد أهم فنون الصحافة من خلال حكايات وذكريات، عاشها معهم، وصاحبهم خلالها على مدار سنوات عديدة، حرص على توثيقها لتقديمها إلى محبى فن الضحكة والبسمة، وللأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ أن تتابع رسومات هؤلاء الفنانين فى زمانهم.



 

فى المرات القليلة التى كنت أتحدث فيها مع الفنان الكبير حجازى قلت له: إحنا ملوك الكاريكاتير فى الوطن العربى. ضحك وقال أه.. لكن مش لوحدنا.. احنا كتير وجامدين ودمنا خفيف لكن فى الوطن العربى ملوك مهمين.. سألته زى مين؟ فكانت الإجابة (على فرزات).

 

فى المركز الثقافى بالإسكندرية سنة 1990 شاهدت معرضًا كاملًا للفنان على فرزات  كان أسلوبه مختلفًا، من أين جاء بكل هذا الحضور.. كانت كل الرسوم بدون كلام يعتمد على المبالغة والمفارقة والسخرية اللاذعة مع خلق تيمات خاصة وطريقة أداء تجعلك تعرفه وتميزه بين مئات الرسامين وكان الأجانب الحاضرون فى حالة احتفاء بفنه وبدا لى أنه معروف لديهم.. انتصر فرزات على عقدة الخواجة.. أخيرًا لدينا بضاعة ينظر إليها الأجانب باحترام.. قررت أن أبحث عن علىّ ولكن أين أجد له أعمالًا.

 

 

فى معرض الكتاب ظهر لعلى كتاب مطبوع فى فرنسا (بدون كلام) وكان سعره غاليًا بالنسبة لى.. فكنت أذهب كل يوم لكى آراه وأعود سعيدًا وراسى مملؤة بالدهشة.. مر وقت طويل حتى وجدت له حوارًا منشورًا بمجلة العربى الكويتية.. فى هذا العدد كانت رسوم فرزات إلى جوار رسوم أستاذى حسن حاكم...عدد يعتبر مكافأة لعشاق فن الكاريكاتير.. قرأت الموضوع أكثر من 20 مرة ولم أمل ولازلت أذكره حتى الآن.. كان يرسم بالطباشير مثل كل الأولاد ويصنع قصصا كاريكاتورية مرحة قبل أن يتعلم الرسم.. وكان ينظر للرسومات المطبوعة بالساعات وكان والده يتصور أنه غبى.. كيف يأخذ وقتًا طويلا وهو يُطالع رسمًا مفهومًا؟.. كان علىّ يحاول أن يفك أبجدية الخط ويتعرف على المفارقة التى يصنع منها الرسام عالمه.

ولعل أجمل ما كتبه فى مذكراته عن علاقته بالمدرسة والتى تظهر حسه الفكاهى الساخر: (أما فى المدرسة فحافظت على ترتيبى (الأخير) بين التلاميذ فلم أتقدم وأحتل الصفوف الأولى بين المجتهدين وكان أكثر ما يشدنى إلى المدرسة هو الطبيعة الجميلة التى كنت أطل عليها من خلال شباك الصف، كنت أصحو من حلمى وأنا شارد فى الصف على صوت الأستاذ يطلب منى القدوم إلى جانب المنبر وتسميع الدرس، وهنا فقط أعرف أننى فى المدرسة واكتشفت فيما بعد أن هذا الأستاذ (أستاذ العلوم) أيضاً يشرد ذهنه أثناء تسميع الطلاب للدرس ولا ينتبه إلا عندما يتوقف التلميذ عن الكلام فيعرف أن الطالب غير حافظ للدرس والدليل توقفه عن الكلام.. فصرت عندما يطلب منى تسميع الدرس كنت أقول كلامًا بجمل ليست مترابطة وأسرد حكايات ليست لها صلة بالدرس.. المهم أن كلامًا ما يُحكى وكأنه يخرج من ماكينة، فمثلًا عندما يطلب منى أن أشرح عمل جهاز فولط كنت أقول ذهبت البارحة إلى السينما وتعشيت مع زملائى فلافل ثم التقيت مع زملائى فى الشارع ولعبنا كرة القدم كلنا على الحشيش وو.. إلخ إلى أن يطلب منا الأستاذ الرجوع إلى المقعد بعد أن يربت على كتفى إعجابًا لأنى لم أتوقف عن سرد الدرس).

عندما سئل عن المعادلة التى تصنع رسامًا للكاريكاتير كانت الإجابة: 

(هى معادلة صعبة للغاية. موهبة + روح ساخرة+ معاناة+ مكتسبات بالحياة+ فهم وإدراك ودقة.. شوال قد ما فيكى تحطى فيه).

استطاع فرزات أن يقول كل شىء وبتلخيص يشبه رسومه العبقرية يقول: (رسامو الكاريكاتير فى العالم قلائل جدًا، أتحدث كفنانين وليس كرسامين. هناك رسامون كثر يرسمون للمحاسب، يرسمون لرئيس التحرير، يرسمون أفكارًا للمدير العام، لكن ليس هذا قصدى، ما أقصده هو الرسام الذى هو شاعر، هو الروائى هو المسرحى برسوماته.. الرسام الذى امتلأ بمحبة الناس وتشكل وعيه ووجدانه أنه المدافع عن أحلامهم والمطالب بحقهم فى الحياة).

تذكرت هذا الحوار وأنا فى متحف الكاريكاتير بالفيوم، لقد اختار محمد عبلة أحد رسوم حجازى وهى لــ"كناس يكنس" وكنت أقول لحجازى رسوم أفضل وأجمل, وكان يقول أنا أبحث عن معنى.. رسالة.. وجهة نظر.. الكناس هو الذى ينظف ويغير.

 

 

 

استطاع علىّ فرزات أن يعبر الحدود بفنه ونال من الجوائز الكثير.

فى رحلتى إلى أمريكا كان هناك مهرجان عالمى وكان علىّ فرزات هو ضيف الشرف لولا تعذر سفره كان الفنانون فى انتظار وصوله وكأنه نجم سينمائى.. كان حديث الناس هناك.

وأنا أبحث عن على فرزات حدثنى صديقى عماد جمعة مؤسس الملتقى العربى للكاريكاتير أنه التقاه فى الكويت وكان فرزات يحكى عن مفرداته التى يستخدمها فى الكاريكاتير (هناك مفردات تتكرر فى معظم رسوماتى منها الميكرفون، القناع، الكرسى، وأخيرًا الحذاء، تمشيًا مع أسلوبى فى الرسم والتكشيف، هكذا ألخص كل مسألة الخطابة بالميكروفون، هناك فى الحقيقة رموز كثيرة أستخدمها مثلًا  الكرسى الفخم والكرسى العادى والكرسى الوسط، فان جوخ عندما رسم حذاء أنسن هذا الحذاء، وأنا أيضًا أؤنسن مفرداتى من خلال الموقع الذى تحتله مثلاً إذا كان الكرسى متواضعًا فهو يشير إلى موقع الشخص الذى سيجلس عليه. عندما يكون الكرسى فخمًا ومعالجًا بطريقة ستيل ومزخرفًا فهو يعنى شيئًا آخر تمامًا.

فى الحقيقة، أكثف من خلال هذه المفردات ما أريد قوله فى رسوماتى والأمثلة كثيرة فمثلاً آخذ أشكالاً لها علاقة ببعضها. آخذ الحذاء والقدم،أو بشكل أكثر تحديدًا الحذاء والأصبع الكبيرة فى القدم. أحيانًا أقلب الآية إذا أردت مثلاً أن أصف الإنسان بالوحشية ألجأ إلى قلب الإنسان إلى وحش والوحش إلى إنسان ربما، استطاع على أن يكون صوت المواطن وهذا هو أحد أهم أسباب عظمة هذه الرسوم التى شحنها بالصدق.