السبت 5 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

على سلالم العشق والهوى

يعبر الكثيرون بشكل عفوى عن الحب، مستخدمين بتلقائية كلمات نعرفها جميعًا، لكنهم لا يدركون أن للحب درجات، ولكل درجة مصطلحًا خاصًًا. ويظن البعض أن الحب بأنواعه واحد، لكن هذا ليس صحيحًا، فالحب العاطفى يدركه الإنسان مع بلوغه مراحل النضوج، ولا يعرفه حقيقة إلا عندما يقع فيه.



حاول علماء اللغة قديمًا تحديد درجات الحب بدقة، فوصل بعضهم بها إلى أكثر من 20.. لكن الشائع منها أو التى لا خلاف عليها هى 14 درجة أولها الهوى.

 

«الهوى» أول درجات الحب، ويدل على ميل المحب إلى آخر.

ويعنى كذلك «ميل النفس» وقال عنه «أحمد شوقى»: «على قدر الهوى يأتى العتاب/ ومن عاتبت يفديه الصحاب».

أما الصبوة فهى ثانى الدرجات.. و«الصبوة» أعمق من الهوى، ومن تعريفاتها «جهلة الفتوة واللهو من الغزل».

ونفسرها بلهجتنا فنقول: «طيش الشباب»، ومنه طبعًا التَّصابى والصبا، وعنه قال عنترة بن شداد: «إذا ريح الصَّبا هبت أصيلا/ شفت بهبوبها قلبًا عليلاً». ثم يأتى الشغف، ويعنى عمق المشاعر، ووصولها إلى غشاء القلب، وهذه الكلمة أتت من «الشغافة»، وهى غلاف القلب أو غشاؤه، ولذلك يقال: «شغف الحب قلبه».

ومن درجات الحب الوجد، والوجد درجة متطورة تدلُّ على مداومة التفكير فى المحبوب، وعدم القدرة على نسيانه مع الحزن الدائم.

بعد الوجد يأتى الكلف.. ونقول إن فلانا «كلف فى الحب»، والمعنى عمق التفكير بالمحبوب، مع انشغال القلب والمشقة، ويقال إن «الرجل الكَلِفُ» هو العاشق المولع.

ومن أجمل القصائد التى قيلت فى الحب قصيدة الحصرى القيروانى: 

يـا لـيـلُ: الـصَّـبُّ مـتـى غَدُهُ؟ /أقِــيـامُ الـسَّـاعَـةِ مَـوْعِـدُهُ، رَقَـدَ الـسُّـــمَّـــارُ فَــأَرَّقَــــهُ / أَسَــفٌ للـبَـيْــــــــــنِ يُـرَدِّدُهُ، فَــبــَكـــاهُ النَّـجْــمُ ورَقَّ لـهُ / مِمَّــــا يَــرْعــاهُ ويَــرصُــدُهُ، كَـلـِفٌ بـِغـــَزالٍ ذى هَـيــَفٍ / خَــوْفُ الـواشِـيـنَ يُــشَــرِّدُهُ، نَـصَـبـَتْ عَــيـنايَ لهُ شَـرَكاً / فـى النَّـومِ فَـعَـزَّ تـَـصَـيُّــدُهُ». 

أما العشق فهو الحب العميق، ومعه تقدم التضحيات.

وفى العشق عدم المقدرة على التخلى عن الحبيب.

وهو حب تخالطه الرغبات، وفى «لسان العرب» يعنى: فرط الحب إذا تجاوز حدود العقل.

وقال نزار قبانى عن العشق: «عندما قررت أن أنشر أفكارى عن العشق/ ترددت كثيرًا/ فأنا لست بقسيس/ ولا مارست تعليم التلاميذ/ ولا أومن أن الورد/ مضطر لأن يشرح للناس العبيرا».

ومن درجات الحب النجوى، وهى إحدى درجات الحب مع البعد والفراق.

ويخالط هذا الحب الحزن، وتعنى أيضا الحرقة أو شدة الوجد من الحب أو الحزن.

قال حسين أحمد النجمى: «أسافر فى عينيك أبحث عن مأوى/ أيا رحبة الأحداق يا عذبة النجوى/ نسيت على أهدابك السود عالمى/ وحلَّقت مشتقًا مع الأنجم النشوى».

أما الشوق فهو الإحساس بالمحبوب بمجرد غيابه، حتى وإن كان للحظات، ثم يأتى الوَصَبُ وهو الوجع والمرض.

ولما يشتد الحب مع عدم القدرة على الوصول للمحبوب، يصاب المحب: بالتعب والفتور فى البدن.

وقال جبران خليل جبران: «دعوتمونی وبى ما بى من الوَصَبْ/ وهل دعا واجبٌ قبلاً ولم أجبْ/ فإن أقصر وأرجُ اليوم معذرة/ فالود يحفزنى والجهد يُقعد بى».

أما الاستكانة فهى درجة من درجات الحب يصحبها الخضوع، ولا يستطيع المحب رفض أوامر المحبوب، ثم يأتى الخضوع.

الود، من درجات الحب فى مراحله المتقدمة الخالى من المشاعر الصاخبة، ويتطلب الوصول إليها مدة من الزمن، وهى المرحلة الأساسية فى الزواج التی تحقق التوازن.

والود هو خالص الحب وألطفه وأرقه.

ثم يأتى الخلة، التى يقال إنها درجة توحيد المحبة، حيث يضع فيها المحب المحبوب بمقام مطلق غير قابل للمشاركة فى الطريق.

والغرام هو «التعلق بالشیء تعلقا لا يستطاع التخلص منه».

وهو العذاب الدائم بسبب التعلق بالمحبوب.

أما الهيام فهو أعلى الدرجات، ويقصد منه الوصول لمرحلة الجنون.

وهو الحب الخالص الذى لا يمكن احتماله، ويعرف بأنه: الجنون من العشق.

وللحب معانٍ أخرى، إذ يقال مثلاً: اللوعة، وهى حرقة فى القلب من هم أو مرض، وهناك الشجن، وهناك الولَه، وهو أيضًا الحزن وذهاب العقل من شدة الوجد.

وأخيرًا من درجات الحب: الخبل.

والخبل هو فساد العقل، وهو ضرب من الجنون وتشبيه لمن ذهب عقله بسبب الحب الشديد.