الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«العيل بييجى برزقه»؟!

«العيل بييجى برزقه»؟!

«العيل رزقه بيجى معاه!» عبارة عشنا معها سنين طويلة، وأصبحت من معتقدات الشعب المصرى، مؤمنًا بأنه موعود بمصدر دخل جديد سيهبط عليه من السماء، رغم فقره أو عدم أهليته. ومع كل شهادة ميلاد جديدة، يضاف عبء فيستنجد طالبًا العون والمساعدة.



لا أحد ينكر عطايا الله، ففى القرآن  الكريم «وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (سبأ : 39). ويحكى الكتاب المقدس فى عهده القديم أن الله هو «الرزّاق»، بعدما خلق آدم وحواء أخبرهما أنه رزقهما كل بقل و كل ثمر على وجه الأرض، كما رزق الحيوانات والطيور والدواب كل عشب أخضر. لكن من المؤكد أنه لم يربط الرزق بالولد. وأخبرنا القرآن الكريم عن أناس يقتلون أولادهم من الإمْلاق ويرتكبون جرمًا «ولَا تَقْتُلُوا أولْادَكُمْ خَشْيَةَ إِملاقٍ» ومعناها خَشْيَةَ الافْتِقارِ، الفَقْرِ والإعْوازِ.  

استقبلنى «محمد ماهر» موظف الأمن بمكتبى ذات صباح وأنا اطمئن كعادتى على أبنائه بشكوى من غلاء أسعار أساسيات احتياجات أطفاله اليومية من «حفاضات» تخطت المائتى وخمسين جنيها للعبوة الواحدة. لم يدهشنى الخبر، فالواقع العالمى المتشابك وحَّدة الصراعات فى العالم وتصاعد التداعيات الاقتصادية والإنسانية جرّاء ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاءعلى كوكب الأرض، لن تكون كافية فى حال استمرار النمو السكانى من دون ضوابط، وأن تحديد النسل هو الوسيلة للحفاظ على السلام وتجنب النقص فى الغذاء.

فى لقاء الرئيس السيسى بالشباب بمحافظة أسوان منذ خمس سنوات، سأل الحضور: «يا ترى برضه كل اللى بطلبه منكم إنتو بتعملوه يا مصريين؟ يعنى لما آجى أقولكم من سنتين برقة وذوق عشان ما أزعلكمش.. أقولكم إن النمو السكانى بتاعنا أحد أهم العقبات الحقيقية فى تقدمنا.. كل واحد بيقولك مش أنا.. هنحل المسألة بس مش أنا».  وكان الرئيس قد  طالب خلال ندوة تثقيفية عام 2015 المصريين بتحديد النسل بحد أقصى 3 أبناء للأسرة، مستفتيًا شيخ الأزهر أحمد الطيب، الجالس أمامه بجوار البابا تواضروس بطريرك الكرازة المرقسية: «أنا أقدر أطلب من اللى عنده طفل يستنى 3 أو 4 سنين على ما يخلف التانى.. واللى عنده طفلين يستنى 6 أو7 سنين كمان على بال ما يجيب 3 أطفال.. واللى عنده 3 أطفال ما يجيبش أطفال تانى.. عشان تبقى الأمة واقفة على رجليها ومتعلمة وقادرة.. حلال ولا حرام يا فضيلة الإمام؟».

جاءت فتوى الطيب سريعة وواضحة: «حلال.. وحلال». هذه الفتوى تستند إلى تاريخ طويل من النقاش الساخن الذى دار حول تلك القضية تحديدًا منذ ثورة 1919، ثم احتدم النقاش حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم تبلور برنامج تنظيم الأسرة القومى فى عهد عبدالناصر، ثم خفت الحديث عن تحديد النسل مع الانفتاح الاقتصادى، ثم عاد الحديث مرة أخرى مع حملة «الراجل مش بس بكلمته» فى عهد حسنى مبارك، وأخيرا ظهرت حملة «عيلين كفاية» فى عهد السيسى.

فى مواجهة الانفجار السكانى، هل نفكر كما تفكر الهند فى تشديد سياساتها تجاه معدل المواليد باتجاه تنفيذ سياسة طفلين فقط باستخدام وسائل منع الحمل، وحوافز «التعقيم الطوعى» وطرح حوافز تشجيعية تتراوح بين الإعفاءات الضريبية والرواتب الإضافية للوظائف العامة وصولًا إلى الإعانات المالية لشراء منزل أو أرض. والسؤال: هل سيقتنع الزميل محمد بتحديد نسله، وبأن ما وهبه الله له بولدين يكفي؟ أم سيبادرنى ذات يوم بخبر قدوم طفل ثالث فى الطريق، أتى بالخطأ!!