الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إذا رحل الخريف

  هذه هى بطلة قصتنا، إنها تنزع أوراق الخريف بعناية، ثم تحفظها فى دفتر سرعان ما تضعه بالقرب من الدفاتر الأخرى التى أكملتها فى خزانة حجرتها. ثلاثون عامًا مرت عليها وهى تقوم بالعمل ذاته. هذا العمل يمثل جانبًا من جوانب محنتها. فى هذا المكان الذى تنتشر فيه المقاعد الخشبية على الجهات الأصلية الأربع راسمة بهذا حدود مملكتها، وتراها العين حتى فى زحمة الأيام الرائعة، وترى صورتها الأنيقة الفارعة المتشحة بشال مرقش بزهور عباد الشمس وسنابل القمح وعناقيد الكريز، والقبعة اللباد التى تعتمرها حتى تغطى أذنيها، فيها بعض الريش والخيوط الملونة المضفَّرة. فإذا رحل الخريف، ومن بعده الشتاء، وتعرَّت الطبيعة من أوراقها وكانت هذه المرأة هى الشخص الوحيد الذى لا يخشى قرصة البرد، بل على العكس، يظل بالساعات فى هذا الميدان المهجور.



لم يعد أحد يحفل بها. حتى العائلات التى تطل نوافذ بيوتها على هذا الميدان، والتى ترسم ما هو أقرب من خط أفق مقابل له. إنهم من الأطباء ورجال القانون، نسى أكثرهم السبب الذى من أجله تخرج الآنسة (بواتييه) إلى هذا المكان فى كل يوم، وقضاء ساعات طوال فى هذا المكان الذى لا يقربه مخلوق آخر سواها تقريبًا. وتظل كما هى فى انتظار هبوط الليل. لايفرق معها كثيرًا إن كان هذا الليل باردًا كالجليد أو حارًا كالنار، مهيبًا ذا عظمة، أو خبيثًا كاللصوص. إنها امرأة قد فقدت عقلها! لاتؤذى أحدًا، ولا تتحدث على أحد، لا تستفز الآخرين ولاتحملق فيهم. وماهى على الرغم من انطوائها على نفسها إلا امرأة متواضعة.

لم يعد يفكر أى من الذين يرونها فى هذا المكان، وهى تتحرك كل يوم فى أنها إنما تفعل ذلك بوحى من دافع مجهول، وهوس غامض، مثل الآلة التى لا تتعرَّض لخطر، ولا تُسبِّب خطرًا لأى أحد، أو مثل الرافعة الأتوماتيكية التى تنطلق من حنيتها وتدق جرس الساعة المعلق على واجهة دار البلدية. ولو أن أحدًا من البرجوازيين سأل نفسه عندما يراها عن الشكل الذى يمكن أن تتخذه رأسه إذا هو أصيب بالخبال، فما يفعل ذلك إلا عن اهتمام بها، بل بنفسه، فهو لايرى فى (ميشيل بواتييه) سوى مظروفًا فارغًا. لو رآها إنسان يذوب فى أحلام اليقظة لاطمأن على نفسه، والسبب هو أن هذه الفتاة المستغرقة فى أحلامها والمنطوية على نفسها لا تعانى ألمًا وكيف تعانى وهى تبتسم معظم الوقت؟!

لقد عثرت على الحقيقة، التى يبدو أنها تحتكم على مجموعة متباينة من الأقنعة، القناع المناسب الذى يضفى عليها مظهرًا لا يكاد يخدع أحدًا. إنها تعانى وتجد فى معاناتها لذة. إن عذابها يقيم عليها أيام حياتها! فى كل يوم تتبع الطريق عينه، لأنها لا تعرف لها طريقًا خلافه، وهذا الطريق ينحصر فى هذا المسطح الضيق، وفى هذا المسطح الضيق سوف يظهر الرجل الذى تنتظره. إذا جاء يوما!!

من منا يركض فى أركان الأرض بحثًا عن حبيب لم يترك عنوانه؟ من منا الذى إذا قرر أن ينتظر حبيبه، لم ينتظر فى داره؟ من منا يصدق أن الحب يبقى، حتى إذا استحال بدن القرين ترابًا؟ وهكذا فلم يكن ثمة شىء قادر على إقناع الآنسة (بواتييه) بأن (روسو) لم يعد له وجود! والحياة كثيرًا ما تمزق ثوبها على مسمار، ويصبح إصلاح الثوب مستحيلًا، فلا يبقى إلا التمزُّق والمسمار الذى نسلم إليه الثوب. أما البقية فهى عبارة عن مسلسل من الشطحات العقلية السريعة التى تتبدد سحبها، وثوان نقضيها فى البرد عراة.

فلنسرع ولنعثر على ثوبنا.. على جلدنا الحقيقى المعلق هناك إلى الأبد! وكانت الآنسة (بواتييه) تتشح بهذه الزينات التافهة وتنتظر من (روسو) أن يأتى ويلبسها الثوب، وكانت عندما تفكر فى هذا الأمر لا تستطيع شيئًا سوى أن تبتسم. (روسو) كان يحبها بجنون.. وكانت له مع الثياب حكاية.. لقد مر على ذلك ثلاثون عامًا تقريبًا.

كانت فرنسا فى ذلك تحت الاحتلال الألمانى، وكانت (ميشيل بواتييه) تستقل القطار المتجه إلى باريس مرتين كل أسبوع، وكانت القطارات مزدحمة، حتى دورات المياه كانت ممتلئة بالمسافرين الذين لا يستطيعون التزحزح خطوة! وهم سعداء لأنهم قد عثروا على منفذ يقفون فيه مهما زجّوا بأنفسهم بالقوة وسط الروائح الكريهة. مع الرؤوس النتنة والأجولة والطرود التى تتعرض للتفتيش على الأرصفة.

كانت تسافر من أجل أبيها المنجِّد الذى يعمل فى شارع (لى سير)، فتبحث له عن بعض مسامير التنجيد أو بضعة أمتار من القماش، أو عن أى شىء تستطيع أن تحصل عليه من لوازم حرفته لدى الموردين الذين خلت مخازنهم. ولم يكن هناك من أمل فى الحصول على سلعة إلا إذا تردد المرء بانتظام على التجار، حتى يتصادف وجود كمية شحيحة واردة حالًا.

ولم يكن (جول بواتييه) يعانى من قلة العمل الذى يكلف به، فإذا كانت رحى الحرب تدور وتنهك العالم وتمزق أطرافه، فإنها لم تستطع أن تقف فى وجه تيار الحياة. كان أصحاب الخيول يدفعون بخيولهم إلى الخيالة المحترفين ليجروا بها فى حلبات السباق، وكانت المزادات تزدهر كما كانت دائمًا، وحتى المسارح التى فقدت نورها ودفئها لم تخل من الجمهور، وكان هناك زبائن يعهدون إلى (جول بواتييه) بصالونات كاملة ليقوم بتجديدها.

كانت الحياة الحقيقية التى تقوم على وسائل المتع تتعلق بمتطلبات أكثر من متطلبات أيام اللاحرب، وما كان الناس يذكرون من أيام السلم إلا المائدة العامرة التى زخرت بأطعمة لا نهاية لها بشكل ممل، وأنية عملاقة مصنوعة من الفضة الثقيلة.

وكانت (ميشيل) تعود ومعها طرودها بقطار آخر الليل. تظل واقفة، خائرة القوى، سعيدة رغم كل شىء بالبضاعة التى استطاعت أن تحصل عليها، ولسوف يعانقها أبوها شاكرًا وكأنها لم تزل بعد طفلة صغيرة قبل أن يجلس إلى المذياع ليستقبل الأخبار الممنوعة عبر إذاعة لندن! وكان يستخدم هوائى صنع له إطارًا من القماش وضعه فوق المذياع كما يضع القسيس شمعدان القرابين على الهيكل!

وذات مساء، عندما كانت تستعد للنزول من عربة القطار، كان الزحام عنيفًا فى هذا الخليط الجهنمى من الخلق، فأخطأت (ميشيل) فى السلم، وسقطت فتمددت بطولها فوق الرصيف، دون أن تترك الطرود من يديها. وعندما أفاقت وجدت نفسها فى أحد مكاتب المحطة، مصابة بالتواء فى الكاحل، وكان الألمانى المسئول عن المواصلات يداعب بأنامله من خلال قطع فى الورق الذى لف فيه أحد الطرود قماشًا أصغر من النوع الدمشقى كان (جول) فى حاجة إليه ليكسو به مقعدًا صغيرًا من النوع الذى يجلسون عليه بالقرب من المدفئة، عهدت به إليه زوجة موثق العقود منذ شهور وأخذت تلح عليه ليفرغ منه، وكأن هذا المقعد هو الذى سيعيد رونق الحياة إليها.

كان العدو يضع فوق جبهته (الكاسكيت)، ذا الشريط الأحمر، وكان وجوده هنا لمشاركة رئيس المحطة، وعندما نظرت إليه (ميشيل) رأت عملاقًا صامتًا.

قالت فى نفسها إن منصبه ولابد مهيب. كان أكبر منها بعشر سنوات أو نحو ذلك، ولم يكن ينتظر منهم أن يرسلوه إلى الجبهة الروسية، له عينان صريحتان تنظران من بعيد، ربما لأنه اعتاد أن يحدق فى قضبان السكك الحديدية التى تمتد إلى ما لا نهاية.

«لقد طلبت لك سيارة.» قالها الفرنسى (فارليه) الذى يرتدى زى الشرطة الرسمى. ولم تستطع (ميشيل) أن تمنع نفسها من عقد مقارنة بين هذا الفرنسى ورفيقه الألمانى. أحدهما شاب عملاق والآخر متقدم فى العمر، وخط الشيب فوديه، وجلده مليء بالتجاعيد.

فى هذه الساعة من الليل لم تكن السيارات الثلاث اللاتى تربطن أجزاء المدينة تقوم إلا بتوصيلة واحدة. وظلت (ميشيل) تنتظر جالسة نصف الساعة على مقعد وثير من الجلد برز الحشو من أطرافه.

وهنا عرض عليها الرجل الألمانى أن يستدعى لها طبيبًا.

-«كلا. سوف تتحسن قدمى عندما أضعها فى الماء الدافىء عدة مرات».

وحاولت أن تنهض، ولكنها لم تستطع، ولما لم تأت سيارة الأجرة خرج العدو الوسيم دون أن ينبس ببنت شفة، وأخرج عربة من عربات النقل العسكرية الصغيرة التى ركنت بالقرب من مهاجع وحدة الحركة الخفيفة.

وعرض عليها بهدوء: «يا آنسة، سوف أوصلك إلى البيت، سأعود توًا يا (فارليه)». ومد كفه إلى (ميشيل) التى شعرت وكأنها فى وزن الريشة، عدا هذا الثقل الذى أحاط بكاحلها المصاب. وبيده الأخرى تناول حقيبتها وطرودها وسألها: «هل تشعرين بالألم؟»

أومات برأسها علامة الإيجاب: «نعم»

«إذًا، سوف أنتظر عند الطبيب.»

لم تستطع الاعتراض.. لقد تقرر كل شىء.. شعرت وكأن كل ما فى حياتها لم يعد طوعًا لإرادتها هى.. ولكن الذى أثار دهشتها هو أنها قد شعرت بالطمأنينة وهى بصحبة أحد الأعداء الذين كان (جول) يصفهم بأفظع السباب، كما كان يفعل كل فرنسى آخر. وتحولت الطرق الميتة التى تجردت أعمدة الإنارة فيها من المصابيح إلى مسرح، وتحول الميدان ذى النافورة إلى منظر مسرحى من تصميم القدر. هذا المكان الخالى الذى تدفق منه النبع دون انتظار، وانتفضت منه بقية الأيام فى لحظة.

ذهب (العدو) فدق جرس الطبيب، دكتور (سيفيت)، إخصائى الأشعة، وساعد (ميشيل) على النزول. وكانت (ميشيل) تطيعه طاعة عمياء، فلم تلحظ النظرة المندهشة التى وجهها إليها الطبيب الذى لاذ بالصمت فلم تخرج من فمه سوى رائحة الثوم.

قال الألمانى الذى ظل بالخارج: «سوف أنتظر هنا.»

فرد الطبيب فى اقتضاب: «حسنًا.»

وكشفت صورة الأشعة عن كسر فى عظمة الكعب.

وقال الطبيب: «لقد كدت تصابين بذلك النوع من الكسور الذى يصيب العشاق عندما يلوذون بالفرار». ثم أشار إلى الخارج: «ماذا يفعل هذا التوتونى هنا؟ هل تعرفينه؟».

هزت رأسها نفيًا: «كلا. هو الذى جاء بى بالسيارة إلى هنا».

قال ساخرًا: «إنه السيد (قطار).. لقد عرفته.» ثم سألها فى جدية: «هل يعرف والدك بالأمر؟».

وفى إشراقه ذهنية مفاجئة اكتشفت المقت الذى سوف يسكبونه فوقها! ولم تفكر إلا فى الرجل الألمانى الذى تصورت أنه سوف يشعر بالملل من انتظاره فى الخارج، وشعرت بنفسها، على الرغم منها، وقد أحاطت بها شبكة من ألف عين. 

 

 

 

وقال الطبيب: «لم أكن أعتقد أن». 

وصمت فسألته: «ماذا؟»

مط شفتيه وأجاب: «لا شىء.»

ثم أشاح بوجهه قائلا: «سوف أتصل بزميلى، دكتور (أرمان) ليجبِّس الكسر.» وأشار إلى الباب: «فليأخذ سائقك إليه!»

وعلى الباب مد الألمانى يده إلى (ميشيل).

فلما جلسا فى السيارة، رفع (الكاسكيت) فى رأسه كاشفًا عن خصلات شقراء كثيفة قصيرة تبدو مثل صفوف من الحلقات الذهبية على حجرتين باهتتين هما عينيه.

قالت له: «إلى دارى.» ثم وصفت له الطريق: «ادخل أولا فى الشارع الثانى، ثم سوف اشرح لك بقية الطريق فيما بعد.»

قال الآخر: «اسمى (روسو). ولكن،هل الموضوع خطير؟»

أجابته: «نعم.»

ورأت (ميشيل) نظرة (سيفيت) وقد تحولت إلى المئات من النظرات، واضطرت إلى التقاط أنفاسها، كم كانت تود أن تفقأ له عينيه هاتين المليئتين بالاحتقار! جاءها خاطر خفى جعلها تلف رأسها. كان (روسو) ينظر إليها. ثم توقف وأطفأ أنوار السيارة. لم يعد هو أجمل رجل تراه ابنة المنجد، بل كان هو الرجل الذى وضعه القدر فى طريقها، وهكذا التأم شملهما فى الحال. وتدخلت الصدفة، فانطلقت صفارات الإنذار.

لم تحرك (ميشيل) ساكنًا ولم ينبس (روسو) ببنت شفه، وتركا لأيديهما ولسانيهما العنان.. ولكن دون نية أن يتقدما إلى ما هو أبعد من ذلك.. مؤمنين بأن المستقبل بين أيديهما. وسرعان ما رأيا المصابيح تتأرجح من رصيف على حافة الشارع وتتجه إلى باب عمومى تقف به امرأة عجوز تمسك فى يدها بمصباح (استيلين).

قال (روسو): «لابد أننا الآن فى المحطة. سأتركك فى دارك. وعندما تريدين أن تستقلى القطار ستجدين مكانًا تجلسين فيه الآن، فى عربة محجوزة لك. ولن يعرف بذلك أحد، وسنتواعد فى السر، لأننى أعرف».

سألته فى حيرة: «تعرف ماذا؟»

أجاب فى لهجة غامضة: «لقد أغلق المدير الباب فى وجهى. كذلك الأحمق الذى يعمل تحت أمرتى فى المحطة بصق عندما خرجت، رأيته بعينى هاتين». ثم أنه أدار المحرك من جديد، وكانت هناك أشباح تجرى بحثًا عن مخبأ، إلا أن أحدًا لم يكن يسمع أزير طائرات، ولم تكن سماء المدينة قد شهدت حتى تلك اللحظة إلا القليل من الطائرات.

قالت (ميشيل) فى خفوت: «بيتى هنا. شارع السير.»

ورأى (روسو) شعار المنجد: صورة لمقعد وثير داخل لوحة من الصاج. وأخرج مصباحًا يدويًا يعمل بالبطارية أشعله بسرعة كأنما يرتكب خطأ. وكانت واجهة دار المنجد مرتسمة فى ذاكرته، وكانت الريح تهز خرقة محشورة فى نافذته، فلم يفهم لوجودها معنى.

قال لها فى هدوء: «هنا، غدًا فى مثل هذه الساعة.»

ردت (ميشيل): «لا. سأراك فى المحطة عندما أشفى.»

نظر إلى عينيها وقال: «أنا أصدقك، ولكن.. ينبغى أن أجعلك ترين شيئًا. إن أهلى يعملون فى السكك الحديدية منذ ستين سنة، وأنا أسير على نفس المنوال. حتى جاءت الحرب، وكان المفروض أن يزج بى فى وحدة محاربة. طبعًا لو كانت هناك واحدة». وفى حركة سريعة فتح الجاكيت الذى يرتديه وقميصه، ورفع فانيلته الداخلية عن صدره، فرأت (ميشيل) جرحًا غائرًا مندملًا يمتد فى هيئة ندبة كبيرة من الثدى الأيسر وتمر عبر صدره. حدقت فى الندبة القبيحة وهو يشرح لها: «لقد ابتليت بها فى حادث بالمخازن فى مدينة (مانهايم)، كان عمرى وقتها عشرين عامًا».

ظلت عاجزة عن أن ترفع عينيها عن الجرح القديم، فابتسم قائلًا: «ولكنى قوى لا أسقط بسهولة.. سأنتظرك. والحرب لا تدوم للأبد.. ونحن فى (موسكو) سأريك بيت (مانهايم)، ليس به حجرتان على عتبة واحدة، كله سلالم ودرجات فى كل مكان. وأنت تشبهين شقيقاتى.. شقيقاتى الثلاث.. كلهن يمارسن مهنة التمريض فى الجبهة الروسية».

قالت (ميشيل): «وسوف تحكى لى كل شىء فيما بعد.. أمامنا الحياة مفتوحة بطولها وعرضها.. ولكن.. اهرب الآن»!

ثم خفضت رأسها، وكوّرت جسدها فى السيارة عندما رأت شبحًا يسير أمام واجهة بيت المنجد، ثم تركت (روسو) يطبع قبلة طويلة على يدها، ويمر بلسانه بين بنصرها وخنصرها، وأجابته بقبلة طبعتها على خده، كما يفعل الأطفال عندما يلعبون.

ساعدها على السير إلى الباب، وقالت بصوت خافت: «روسو!» وعندما وقفت فى فرجة الباب المثلثة لتخرج ربطة المفاتيح، ابتسمت له، وفكرت فى أن تطلب إليه أن ينصرف إلى طريقة المرسوم، إلا أن هبة ريح من الغيظ والكرامة والاعتزاز بالنفس تملكتها. ورأت بعين الخيال زبائن أبيها المنجد يتشاحنون فى رأسها فى غضون لحظة، يتكدسون فى عربة المتهمين المصفحة، وقد أسرعت المدينة كلها تحاول اللحاق بهم.