السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الضاحكى الباكى الذى رقص «بخفة ودلع»

مع شادية فى أحد أدواره السينمائية
مع شادية فى أحد أدواره السينمائية

اختارت اللجنة العُليا لمَعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ 54 الفنان والشاعر صلاح چاهين شخصية هذا العام كونه واحدًا من أهم الوجوه الثقافية المُعبرة عن هوية مصر فى تنوعها وتفردها.



صلاح چاهين رغم أنه عُرف بشكل أكبر كشاعر ورسام كاريكاتير لكن مواهبه وطاقته الإبداعية كانت أكثر من مجرد الحصر فى جوانب معينة، كان شاعرًا، رسّامًا، سيناريست، ممثلاً ومنتجًا ورئيس تحرير، قلب شاعرى يجيد التعبير فى كل المواقف يفرح حد الجنون ويحزن حد الانهماك فى البكاء كطفل رضيع فقَدَ أمَّه.!

غمّض عينيك وارقص بخفة ودلع

الدنيا هى الشابة وانت الــــــــجدع

الرقص فى حياة صلاح چاهين كان التجسيد المُعبر عن شخصية استثنائية تحمل هذا القدر من الصخب والإبداع والحياة والبهجة لسنوات طويلة، كانت الأخبار السارة فى حياته تعنى ضحكًا ولعبًا وكثيرًا من الحركات الراقصة، حين وُلد طفله «بهاء» رقص فرحًا وحين قامت الثورة فى العراق وقف فى منزله بملابس نومه، وعلى حد تعبيره، كان يضحك ويرقص بجنون.

وعلى عكس صخب الرقص كان لا يحب إلا موسيقى «باخ» لأنها كما يصفها «بتهدى وترسى واحد منكوش مش راسى من جُوّا زى حالاتى إنما كان بيتهوفن للكسالى». 

ويحكى چاهين أن التعبير عن سعادته بالرقص كان نتيجة لميوله الاستعراضية منذ كان شابًا وكان ذلك نقطة البداية كممثل فى السينما؛ حيث التقى المُخرح صلاح أبو سيف، ويقول چاهين «لاقانى بشب وألب كل شوية فعرف أنى بحب الرقص والاستعراض وممكن أمثل»، وبالفعل هاتفه ذات يوم ليحصل صلاح چاهين على أول دور له فى السينما، ثم توالى ظهوره السينمائى سواء كان ممثلًا أو سيناريست أو منتجًا أو بالتأكيد شاعرًا غنائيًا، وكان ذلك فى أفلام مثل «لا وقت للحب – اللص والكلاب – المماليك – خلى بالك من زوزو – أميرة حبى أنا – المتوحشة – شفيقة ومتولى – عودة الابن الضال».

 وفى حوار له يقول إنه كان يخاف بشدة من كتابة السيناريو ولم يكن يتوقع أنه يستطيع إنجازه، كان دائمًا يكتب الأغانى أو برامج غنائية ويتفاعل معها الممثلون بحركة الشفاه فقط، لكن «سعاد حسنى» أصرّت أن يكتب «خلى بالك من زوزو»، فكتبه.

ومن الأفلام التى كتب حوارها ولم تخرج للنور كان فيلم باسم «أحمد ومريم» عن فكرة للمُخرج سمير نصر، وهو مصرى كان يعيش وقتذاك فى لبنان، وكان الفيلم يحكى عن قصة حب بين طرفين مختلفى الديانة فى أجواء الحرب الأهلية اللبنانية وبعد ما انتهى من الكتابة وقرأها الناقد سمير فريد، قال «الفيلم ده هيكون أكثر الأفلام حزنًا»، وبَعدها عرف صلاح چاهين أن الفيلم لن يصور لأسباب غير معلومة فحزن وشعر بالإحباط وظل يحلم أن يتم تصويره ويُعرض للمُشاهدين.

وعلى الرّغم من الأدوار المتعددة التى مارسها چاهين فى السينما؛ فإنه لم يفكر فى مرّة أن يُخرج أى عمل، كان يقول أنا مجرد مستشار فنّى ليس أكثر ولن أتعدّى هذا الحد «لو ألفت شىء وطلع بايخ أسهل حاجة الورق هيتقطع إنما الإخراج! دى تبقى كارثة».

 

 

 

ومن الرقص والسينما للأغنية الوطنية التى قدّمها چاهين مع عبدالحليم حافظ وكمال الطويل بشكل أكثر حميمية للشعب، يقول چاهين: «أنا لم أكن أحب الأغانى الوطنية، كنت أشعر إنها مجرد أناشيد مَدرسية إلا فى أيام سيد درويش لأنه كان بيعبر عن عصره وأمنيات الشعب، بعد ذلك تحولت لمجرد أناشيد «فيها صريخ ودبدبة»، لكن حين نشرت دواوين قصائد وطنية، أحب عبدالحليم أن يغنيها وتحمّس كمال الطويل للتجديد ونجحت لأنها عبّرت عن أطياف الشعب المصرى».

نشأ صلاح چاهين فى بيت أرستقراطى بعض الشىء، والده كان قاضيًا ووالدته أمينة حسن كانت مُعلمة تربّت وتخرّجت فى مدارس إنجليزية، واعية، مثقفة ومطلعة على الأدب الإنجليزى بشكل واسع ووطنية من الطراز الأول، وقد أثرت بشكل كبير فى تشكيل وعى الشاعر الفنان؛ لكنها كانت حازمة جدًا فى تربيته، وكان دائمًا يقول «أنا أخدت كل عقاب أطفال المدارس وحدى».

كان چاهين يرسم منذ طفولته ولكن فى أيام الثانوية العامة منعته والدته من الرسم لأنه يؤثر على وقت دراسته فقرّر أن يؤلف الشعر فى عقله وبالتالى لن تعرف والدته، من هنا توطدت علاقته بالشعر بشكل عام ثم الزجل ثم الرباعيات والأشعار الغنائية وغيرها، وقد تأثر چاهين بالشاعر الكبير فؤاد حداد وأحبه مَحبة قوية، وكان يقول «أنا أكتب بالعامية لأنها أقرب وسائل التعبير بالنسبة لى». 

وعلى الرّغم من الإنتاج الغزير لصلاح چاهين؛ فإن الرباعيات تظل هى الأشهَر على الإطلاق؛ وقد بدأت رحلتها من «صباح الخير» عام 1959.

فى شارع قصر العينى كان يمشى صلاح چاهين إلى جوار الأستاذ أحمد بهاء الدين رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» آنذاك، كان چاهين حزينًا لأجل اعتقال أبيه الروحى فؤاد حداد، فقال فجأة رباعيته الأولى:

«مع إن كل الخلق من أصل طين وكلهم بينزلوا مغمّضين.. بعد الدقايق والشهور والسنين تلاقى ناس أشرار وناس طيبين..!».

فالتفت له أحمد بهاء الدين ورفع نظارته الطبية وقال «كويسة.. تقدر تعمل واحدة كل أسبوع؟»، من هنا بدأ صلاح چاهين يكتب رباعية كل أسبوع فى مجلة «صباح الخير» حتى عام 1962 ولمّا سببت له بعض المشاكل كتب ساخرًا رباعيته الأشهَر:

أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جَرس

جلجلت به صحيوا الخدم والحرس

أنا المهرج.. قمتوا ليه خفتوا ليه

لا فْ إيدى سيف ولا تحت منّى فرس

عجبى!..

كانت رباعيات صلاح چاهين متصلة بالواقع السياسى والاجتماعى ولكن فى فترة ما قبل 1967 كانت فلسفية بشكل أكبر، ووقتها بشكل عام كانت مُحبة بشكل قوى للرئيس جمال عبدالناصر على الرّغم من أنه كان أحيانًا يوجّه بعض الانتقادات.

صلاح چاهين المُفرط فى المرح والمَحبة والبهجة وصاحب الإنتاج الغزير الذى تفاعل مع معطيات الحياة بكل مافيها؛ ذبحته نكسة 1967 أو بمعنى أدق خذله حُبه وثقته الشديدة فى جمال عبدالناصر ولم تقم له قائمة بَعدها. لم يعد يكتب الأغانى الوطنية بمثل ما كان يكتب وحمّل نفسه جزءًا من مسئولية النكسة ظل يصرخ بكلمات مثل «احنا جينا نغنى للناس غنينا عليهم». 

وقع چاهين فى براثن الاكتئاب وبدت كتاباته بها من خيبة الأمل ما يكفى، حتى الأغانى التى اتسمت بالبهجة مثل «الدنيا ربيع وبمبى» قيل إن چاهين لم يكن يشعر ببهجتها بل كان يرقص مذبوحًا من الألم.. وتحوّلت كل ردود فعله إلى سخرية مريرة ممارسًا نقدًا ذاتيًا ومراجعة شديدة لنفسه، حتى إنه قال فى حوار صحفى فيما بعد «أنا بالذات شعرت بالذنب لأنى رسمت أحلامًا وردية للناس، كتبت كما لو أن النصر والإنجازات تحققت بالفعل».

ويحكى أحد أصدقائه أنه فى السنة التالية للنكسة قابل چاهين وكانت لحيته طويلة وعيناه حائرتين، سأله عمّا به فرَدَّ «نفسى مكسورة.. كنت مصدق» ثم انهمر فى بكاء كالأطفال. وكتب رباعيته:

ولو انضنيت وفنيت وعمرى انفرط

مش عاوز ألجأ للحلول الوسط

وكمان شطط وجنون مانيش عاوز

يا مين يقول لى الصح فين والغلط

عجبى!..