الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 الشعوب وسيارة «الإسعاف»

الشعوب وسيارة «الإسعاف»

الشعوب لا ترتقى برفاه الاقتصاد أو إصلاح النظام السياسى فقط. الشعوب ترتقى عبر مسارات عديدة، حبّذا لو كانت متزامنة. والارتقاء السلوكى من أرقى أنواع الارتقاءات، ولها مفعول السحر على السياسة والاقتصاد بطرُق غير مباشرة. من أروع ما يمكن متابعته فى بلاد غير بلادنا تصرُّف قادة المركبات فى الشوارع إن ظهرت فى الأفق سيارة إسعاف، سواء بالصوت أو بضوئها الأزرق المميز أو بظهورها المفاجئ. شوارع لندن بالغة الضيق تتحول إلى لوحة فنية إنسانية قانونية مع أى بوادر لظهور سيارة طوارئ، سواء كانت شرطة أو مطافئ أو إسعاف، ويظل لسيارات الإسعاف وقع مختلف. مجرد تخيّل قائد سيارة أو باص أو عربة نقل أو دراجة نارية أو هوائية «يحلق» على سيارة إسعاف فى طريقها إلى مستشفى أو إسعاف مريض أمْر بالغ الصعوبة. وتخيل أحدهم يتجاهل «سارينة» الإسعاف أو يلاحقها حتى تسلك له الطريق أمْر شبه مستحيل. قادة السيارات ليسوا جميعًا ملائكة بكل تأكيد. كما أن بعضهم ربما تساوره رغبة ما فى أن يسبق سيارة الإسعاف ظنًا منه أن مروره لن يؤثر فى مصير المريض. وفكرة «ماذا لو كان المريض والدك أو والدتك أو ابنك أو صديقك ونصف دقيقة قد تنقذ حياته وقد تنهيها؟» لا تراود الجميع بالضرورة. لذلك، فإن الأمر ليس متروكًا للتركيبة الإنسانية والبيئة التربوية والخيارات السلوكية لكل سائق مركبة. أولئك الذين لا تمكنهم سلوكياتهم من التصرف بحكمة وإنسانية مع سيارة إسعاف يجدون ترسانة قوانين صارمة وحاسمة وحازمة وفى الوقت نفسه عادلة تجبرهم على إفساح الطريق للإسعاف. القانون فى بريطانيا يجبر السائقين على الانتباه بشدة حال وجود سيارة إسعاف أو شرطة أو مطافئ ذات أضواء مضوية. ما هو المطلوب إذن؟ «راقب المسار الذى تحاول السيارة أن تسلكه وتصرف فى ضوئه، دون أن تكسر قواعد المرور»؟ تخيل معى عزيزى القارئ، مطلوب من قائد أى مركبة أن يراقب مسار الإسعاف، ويبتعد عن طريقها فى الشارع بالغ الضيق بشرط ألا يكسر إشارة المرور أو يخرق أيًا من قواعد السير!! آه والله. قائمة التعليمات والنصائح من الجهات الرسمية المختصة بالمرور فى هذا الشأن طويلة. الجزء الأكبر منها يشجع قادة السيارات على اتخاذ اللازم بحسب الموقف، أى أنه لا توجد قواعد صارمة خاصة بكيفية التصرف. فقط مقترحات وعلى السائق اتباع المنطق. لكن النص القانونى لا مجال للنقاش فيه. غرامة مالية قد تصل إلى ألف جنيه إسترلينى فى حال ثبت بالكاميرات المثبتة فى كل مكان أن السائق لم يفسح الطريق للإسعاف. وفى هذه الحالة؛ فإن المخالف لن تنفعه معرفة وثيقة بـ«جوردون بك» أو حتى علاقة نسب بـ«چيمس باشا». القانون سيطبق رغم أنف الجميع. وبعيدًا عن أنوف الجميع؛ فإن عقول الغالبية المطلقة باتت مبرمجة على إفساح الطريق أمام الإسعاف. إنها علامة من علامات الارتقاء الشعبى. قل لى كيف تتصرف أثناء مرور سيارة إسعاف؛ أقُل لك من أنت؟