الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ثــلاث مجموعات تتصـــارع ما بــين إسـطنبول ولنـدن وصوماليالاند

الصراع الأخير على تركة الإخوان

يحكى الإخوان دائمًا أنهم الجماعة المختارة وأنها الدعوة العصية على التفرق والتشرذم والانشقاق، جاءوا لـ «أستاذية العالم» والاعتصام بالكتاب والسُّنة، أطلقوا على إحدى دور النشر التابعة لهم فى فترة السبعينيات «الاعتصام» كشعارات رنانة تسحب عقول الشباب المتحمس وتلمع فى أعينهم فيقعون فى حبائل جماعة الإخوان الإرهابية وما هم فى الحقيقة إلا حبائل الشيطان فى ثوب أهل الوعظ والإرشاد.



 

هذه الجماعة التى تفاخرت بأنهم هم الإخوان وهم المسلمون، ضرب الخلاف قلوبهم بغية بسط السيطرة على الجماعة وأركانها الداخلية، وتفاقمت مؤخرًا الخلافات والانقسامات بينهم، النواة الصلبة التى يفتخرون بها وهى مكتب شوراها وإرشادها دَبّ فيه الخلاف ووصل إلى ذروته؛ ليتعرف الجميع على قلب الإخوان وأوعيتها وشرايينها الداخلية كيف تدار، جماعة بهذا الحجم من الخلافات تصور لو أنها أصبحت هى «أميرة أمراء المسلمين» وأصبحت هى القدوة فى العمل الدينى والخيرى، فإلى أى الطريق كنا جميعًا قد وصلنا إذن؟! جماعة بها هذا الواقع من البغضاء والشحناء وهذا التآمر الداخلى، ماذا سوف يكون مصير الأجيال القادمة التى سوف تلتحق بها؟!

كانت بداية الخلاف الأخير عندما ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على محمود عزت القائم بأعمال المرشد فى مصر فى 28 سبتمبر عام 2020، مما فجّر الخلافات بصورة كبيرة داخل الجماعة؛ فبينما كان يرى محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، أمين عام التنظيم،

أحقيته بأن يحل محل «عزت» فى منصب القائم بأعمال المرشد، كان إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى وقتها، يعتقد أنه الأولى بتولى المنصب ذاته، فى حين تناقلت رسالة بين المجموعات بأن هناك خطاب تزكية من المرشد المسجون محمد بديع للدكتور حلمى الجزار القيادى بالجماعة للقيام بأعمال المرشد.

 

 

وتناقلت الأخبار أن جناح «إبراهيم منير» «مكتب لندن» يبحث عن بديل له بعد أن وافته المنية فى لنــدن يــوم الجمعـة الرابـع مـن نوفمبر عـام 2022، ونقلت مصادر عن جبهة محمود حسين «مكتب إسطنبول» الجبهة المناوئة والرافضة لجبهة منير بأن هذه المجموعة اختارت «صلاح عبدالحق» أحد القيادات القطبية والمتهم فى قضية تنظيم سيد قطب عام 1965 ليتولى الإدارة، وحتى الآن لم تعلن الجبهة رسميًا هذا الاختيار مما يشى بعدة أمور تخص اختيار قائم بالأعمال جديد داخل هذه الجبهة المتصارعة مع منافستها على تركة الجماعة المريضة.

وسواء تم اختيار «صلاح عبدالحق» أو غيره فمعروف فى تاريخ الجماعة أن المرشد صورة أو ساتر وهناك من يدير الأمر من وراء ستار، فتاريخ الإخوان لم يعرف سوى مرشدين اثنين كانا يقودان الجماعة من القمة إلى القاعة، الأول هو المؤسّس «حسن البنا» والثانى هو «مصطفى مشهور»، حسن البنا لأنه هو المؤسّس ومصطفى مشهور لأنه كان المرشد الأقوى والأشرس وأحد كوادر النظام الخاص «الجهاز السرى».

حتى مجىء حسن الهضيبى الذى كان يقال عنه أنه أمـل الجماعة فى البقـاء والاستمرار فى أواخـر السـتينيات لم يكن المسيطر على الجماعة فالذى كان يقود الجماعة فى عهد «حسن الهضيبى» المرشد الثانى للجماعة فعليًا الثلاثى «منير الدلة وحسن عشماوى وصالح أبو رقيق» كما قص ذلك كتاب «الإخوان المسلمين.. أحداث صنعت التاريخ» لمحمود عبدالحليم، وحتى كتاب «دعاة لا قضاة» الذى خرج لمواجهة فكرة التكفير فى السجون عندما خرج للنور لم يكن من أجل مواجهة فكر التكفير كما أشاع «الهضيبى» ورفاقه فى السجن؛ بل حماية الجماعة من غلواء الفكر القطبى بعد انتشاره على حد تعبير مصطفى كامل محمد أحد القيادات القطبية فى السجن الحربى ورفيق سيد قطب فى مستشفى ليمان طرة فى كتابه «قصتى مع سيد قطب».

أى مرشد أو مسئول مجموعة يتحكم فيه مجموعة النظام الخاص، وهذا مبدأ داخل الجماعة، فالحفاظ على التنظيم أهم كثيرًا من الحفاظ على الشخصيات والكيانات فى فكر الإخوان عبر تاريخهم، ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف يفكر الإخوان وكيف تتحكم مجموعات التنظيم الخاص فى مفاصل الجماعة ولا تسمح بأى عنصر يتغلغل فى هذا التكوين الداخلى، وأى شخص ينتقد أو يعارض يكون مصيره ثلاثى المواجهة (التطفيش والتطنيش والتهميش) أو على حد تعبير مؤرخ الجماعة أحمد محمود «الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا».

 

 

لكن علينا أولًا أن نتعرف على حقيقة المجموعات الثلاثة التى تتصارع داخل الجماعة الآن؟ ثم مَن يخلف جبهة منير؟ وحقيقة الخلاف بينهم ثم الخلافات الداخلية بين كل مجموعة على حدة، ثم مصير ومستقبل هذه الجماعة بعد ذلك؟ وإلى التفاصيل:

حقيقة الجبهات

انقسم الإخوان فى الفترة الأخيرة إلى ثلاثة أقسام أو جبهات ربما لا يعرف بعض الإخوان مَنْ فى هذا القسم ومَنْ ضده فى القسم الآخر، ويفاجأ بعضهم بأنه يحضر فاعلية لهذه الجبهة وهذه الجبهة ترفض الحضور لهذا القسم وهكذا، وهو ما يعرفه المراقب للحالة فقط والتى أطلق عليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة سقارى التركية د.خير عمر «هناك الآن جماعات للإخوان؛ الأولى وهى جماعة أون لاين (إخوان أونلاين - الموقع الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين»، تعبيرًا عن جماعة محمود حسين، وإخوان سايت (الإخوان المسلمون) مُعبرة عن جماعة إبراهيم منير/ محيى الدين الزايط، بالإضافة إلى المكتب العام «الشباب الفاقد للرمزية القيادية» وتعبر عنهم صفحات الفيس بوك وكتائبهم الإلكترونية.

المجموعة الأولى: مكتب محمود حسين وهى الأكثر حضورًا وفاعلية فى القواعد الإخوانية فى الداخل والخارج وتقريبًا هو ما يسيطر على مقدرات الأمور فى تركيا، وتلعب هذه الجبهة بمصالح العديد من العناصر والقواعد الإخوانية ويتولاها حسين ومعه عدد من الشخصيات الفاعلة فى المجال العام التركى.

 

 

المجموعة الثانية: وهى مجموعة إبراهيم منير ويتولاها بشكل مؤقت حاليًا عضو الشورى د.محيى الدين الزايط، بعد وفاة منير فى لندن، ويعد «الزايط» من مجموعات النظام الخاص والتى تميل لحسم الصراعات والنزاعات بطريقة حشد القواعد، واللافت أنه ليس عليه إجماع حتى من صفوف جبهته، ومع ذلك تولى المنصب بحسب وصية منير «مكتب لندن» قبل وفاته، وأشهر مواقفه الأخيرة أنه صاحب قرار التحكيم فى انتخابات مجلس الشورى المطعون عليها من قِبَل مجموعة حسين «مكتب إسطنبول» وحكم بنجاح الانتخابات وقبول الطعن شكلًا ورفضه موضوعًا بعدها.

كان أمام محيى الدين الزايط مهمّتان رئيسيتان بعد وفاة إبراهيم منير فى لندن؛ الأولى هى فتح الأچندة السوداء وتوزيع مهامها، وهذه الأچندة تطلق مجازًا على المهام والأسرار والأموال والعلاقات التى كانت تحت تصرف منير فى حياته لإدارة جبهته ومجموعته التى يقودها بالجماعة، والمهمة الثانية هى اختيار شخصية توافقية لجبهة منير تتولى القيادة بحيث يستكمل بها إدارة الجبهة أو هذه المجموعة الإخوانية.

لذلك عقدت المجموعة عدة لقاءات على الشبكات الإلكترونية لإدارة الأمر وسرعة الاختيار؛ خصوصًا أن مهلة الشهر التى حددها «الزايط» بعد وفاة القائم بالأعمال إبراهيم منير قد انتهت، وتمت مناقشة أسماء مهمة لها وجودها فى الجماعة ولها أدوار كثيرة فى التنظيم الدولى.. وسوف نرجع لسِيَر المرشحين لخلافة منصب منير فيما بعد. 

المجموعة الثالثة: وهى مجموعة المكتب العام وهى مجموعة الشباب المعروفة بـ«جبهة التغيير» والتى أسّسها بعد ثورة الثلاثين من يونيو القيادى محمد كمال مؤسّس الجناح المسلح لـ(الإخوان) ولجانه وخلاياه النوعية، وهو عضو مكتب الإرشاد، الذى تولى رئاسة اللجنة الإدارية العليا، المنوط بها إدارة شئون الجماعة داخل مصر والتى كانت بديلاً لمكتب الإرشاد، والذى قتل فى مواجهة مع الأجهزة الأمنية فى أكتوبر عام 2016.. «كمال» تولى إمارة المجموعة باسم حركى أبوالعز ضياء الدين أسد، وأنجز خلال توليه إمارة هذه المجموعة بحثها «فقه المقاومة الشعبية» رد الصائل بالقوة، وهو ما أدى إلى أن تكون فصيلاً يُعرف باسم «الكماليين» الذى سعوا إلى تبنّـى تعاليمه فى استخدام العنف ضد الدولة المصرية.

 

 

ثم تولى بعده فى الخارج أيمن عبدالغنى صهر خيرت الشاطر الذى توفى بكورونا فى ديسمبر 2020، ثم تولى التنظيم يحيى موسى ومحمد منتصر، وهذه الجبهة تميل لما يطلق عليه تشكيلات الخلايا النوعية وفكرة التنظيمات السرية العنيفة القريبة من تفكير القاعدة وتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية «داعش»، وشكلت عدة خلايا عنقودية مثل «حسم» و«لواء الثورة» و«كتائب حلوان»، وتنقسم رؤية مجموعة الشباب داخل جماعة الإخوان إلى ثلاثة تيارات رئيسية (المؤيدة للعنف- المضطرة لقبول تواجدها مع هذه المجموعة لتشابكات المصالح- المنشقة عن الفكر والجماعة ولا تجد لها سبيلاً سوى الصمت).

فى الحلقة المقبلة: مَن يخلف إبراهيم منير؟