السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حوادث على الشاشه

من دفاتر فاطمة.. وحقيقة «اللص والكلاب»

قصر سباهى بالسيوف
قصر سباهى بالسيوف

كثير من الحوادث والحكايات التى حدثت قديمًا نالت اهتمامَ العديد من المصريين وشغلت الرأى العام أيامًا وشهورًا وربما سنوات طويلة، وثّقتها الأعمال الفنية دون أن نعرف أحيانًا.



بعض من هذه الحوادث والحكايات شاهدناها على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، وغطى نجاحها على الشاشة على حكايات من تلك الحوادث والحكايات نفسها فى الواقع.

 

من الحكايات والحوادث الشهيرة التى شغلت الرأى العام قديمًا حكاية «الهانم والأرتيست» وتم تجسيدها على شاشة السينما فى فيلم (فاطمة) الذى عُرِضَ فى سنة 1947. (فاطمة) كان بطولة أم كلثوم وأنور وجدى وسليمان نجيب وحسن فايق وفردوس محمد وعبدالفتاح القصرى، عن قصة لمصطفى أمين وإخراج الراحل أحمد بدرخان.

 

 

(فاطمة) كان آخر أفلام كوكب الشرق أم كلثوم، ودارت أحداثه عن فتاة من أسرة فقيرة تهوى الغناء، وتتزوج سرًا من ثرى ينتمى لإحدى الأسر الكبيرة أدى دوره الفنان أنور وجدى.

هذا الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت لفتاة اسمها «فاطمة»، وربما تكون أحداث القصة الحقيقية أكثر إثارة من أحداث الفيلم نفسه؛ خصوصًا أن الأحداث الحقيقية تشترك فيها هانم من ذوات الحسب والنسب وواحدة من رائدات الحركة النسائية، كما تشترك فى هذه الأحداث فنانة كان يطلق عليها فى ذلك الوقت «أرتيست».

والهانم هى السيدة نور الهدى محمد سلطان، الشهيرة باسم هدى شعراوى بنت الحسب والنسب، فأبوها كان رئيسًا لأول مجلس نواب فى تاريخ مصر وقائم مقام الحضرة الخديوية بالصعيد، وهى صاحبة دعوات تيسير الزواج، وصاحبة فكرة الاكتفاء بمَهر ربع جنيه، والمطالبة بحقوق المطلقات.

 

 

 

 

 

«هدى شعراوى» كانت زوجة «على باشا شعراوى» رفيق كفاح زعيم الأمّة سعد باشا زغلول. وأمّا الأرتيست فكانت المطربة والممثلة المسرحية فاطمة سرى، أول فنانة مصرية تقوم بالغناء فى أوبرا كاملة (شمشون ودليلة) فى تاريخ مصر.

اسمها الحقيقى فاطمة السيد الراوى.

تبدأ أحداث قصة الهانم والأرتيست بوقوع الوجيه محمد بك شعراوى ابن هدى شعراوى فى غرام المطربة فاطمة سرى، وظل يطاردها ويعرض عليها حبه، حتى وقعت فى غرامه ووافقت على الزواج منه عُرفيًا بورقة كتبها محاميه.

وحدث أن حملت فاطمة سرى، فكتب إقرارًا على نفسه بنسَب الجنين إليه، وأقر بأنه ثمرة زواج شرعى على سُنّة الله ورسوله، وأرّخ الإقرار بتاريخ ذلك اليوم فى يونيو 1925.

وانتشر الخبر فى مصر كلها، ونشرت عنه الجرائد، وعندما علمت السيدة هدى شعراوى بما فعله ابنها ثارت ثائرتها، وأجبرت ابنها على التبرؤ من زواجه، فكيف لابن الحسب والنسب أن يرتبط بالزواج من أرتيست، لكن يوم 7 سبتمبر 1925 وضعت المطربة فاطمة سرى بنتًا سمّتها «ليلى».

ورفعت فاطمة سرى قضية صحة زواج وإثبات نسب، وترافع فيها المحامى والأديب الشهير فكرى أباظة. 

وبعد تداوُل القضية بالمحاكم لمدة 3 سنوات، تم الحكم بصحة الزواج وإثبات نسب الطفلة ليلى لأبيها الوجيه محمد بك شعراوى، مع إلزامه بجميع الحقوق الشرعية المترتبة. ولحظة النطق بالحكم كانت هدى شعراوى بالمحكمة، والغريب والعجيب حقًا أنها بمجرد سماعها النطق بالحكم أسرعت واحتضنت حفيدتها الصغيرة وخرجت بها من المحكمة، ولكن الأغرب والأقسى كان إصرارها على حرمان فاطمة من رؤية ابنتها مدى الحياة.

وفيلم (اللص والكلاب) واحد من الأفلام الشهيرة التى كانت تجسيدًا لحادثة حقيقية شغلت الرأى العام فى مصر طويلاً فترة ما. يحتل (اللص والكلاب) رقم 15 فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى فى القرن العشرين، وهو عن رواية للأديب العالمى نجيب محفوظ ومن إخراج كمال الشيخ وبطولة شكرى سرحان وشادية وكمال الشناوى وزين العشماوى وسلوى محمود.

 

 

وحكاية (اللص والكلاب) الحقيقية غريبة وعجيبة، وهناك بعض الوقائع والأحداث التى لم تذكرها الرواية ولم يتعرض لها الفيلم، وبعضها أكثر تشويقًا من تفاصيل الرواية وتفاصيل الشاشة.

و«سعيد مهران» بطل رواية (اللص والكلاب) الذى أدى دوره فى الفيلم الفنان شكرى سرحان، أو محمود أمين سليمان فى الواقع، كان لصًا كاد أن يتحول إلى أسطورة.

هو فى الواقع لص قام بسرقة فيلا السيدة أم كلثوم، بالإضافة إلى قيامه بسرقة فيلا أمير الشعراء أحمد شوقى، كما أنه قام بسرقة منزل المقدم عبدالقادر عيد الذى كان يشغل منصب مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر، وكان محمود أمين سليمان فى الواقع عضوًا فى الميليشيات اللبنانية أثناء إقامته بلبنان وقبل أن يستقر بالقاهرة؛ حيث قام هناك بحراسة كل من السيد رشيد كرامى والسيد عبدالله اليافى رئيسى الحكومة اللبنانية، كما تم اتهام محمود أمين سليمان بالسطو على قصر الرئيس اللبنانى كميل شمعون.

 

 

 

 

 

ومحمود أمين سليمان كان متعلمًا ومثقفًا وفى منتهى الذكاء والدهاء، ولم يكن لصًا جاهلاً أو غبيًا، وطوال حياته لم يستخدم العنف أبدًا فى سرقاته؛ بل إنه لم يحمل مطواة أو سلاحًا، وكانت كل عدته بطارية «كشاف» وعددًا من المفكات؛ ليتسلل من خلال الأبواب والشبابيك بمنتهى الخفة.

ولم يتم ضبطه أبدًا فى حالة تلبس؛ بل كانت كل قضاياه تقيَّد دومًا ضد مجهول.

والطريف أنه كان يسرق الأغنياء فقط، ولم يثبت عليه أنه قام بسرقة واحد من الفقراء أبدًا، فقد كان شبيهًا باللص الظريف أرسين لوبين، ولقّبه بعضهم بـ«روبين هود المصرى»، غير أن «سليمان» لم يكن يوزع ما يسرقه على الفقراء مثل روبين هود؛ وإنما كان يحتفظ به لنفسه.

محمود أمين سليمان كان مصرى الأصل، وُلد فى طرابلس، ونشأ هناك حيث كان والده مصريًا يقيم ويعمل هناك.

وفى لبنان عرف «محمود» طريق السرقة، وتدرب مع العصابات، وأدمن الأفيون، واكتسب روح المغامرة، وعمل بميناء طرابلس، ثم انضم للميليشيات اللبنانية المتحاربة، وتنقل فى عدة أعمال وانتهى به الأمر لاحتراف السرقة والسطو على قصور الأثرياء. وفى أحد الأيام تم ضبطه وترحيله من لبنان إلى مصر بعد أن تم سجنه هناك 4 سنوات؛ لاتهامه بالسطو على قصر رئيس لبنان كميل شمعون وغيره. عاد «سليمان» إلى مصر واستقر بالإسكندرية حيث سبقه إليها بقية أسرته، وهناك عاد لسرقة الأثرياء، لكن ليس فى الإسكندرية وحدها؛ بل امتد نشاطه بممارسة السطو على بيوت أثرياء القاهرة أيضًا.

تخفى «سليمان» فى شخصيات عديدة، مرة يدّعى أنه صاحب أعمال متعددة، ومرة يقدم نفسه للناس على أنه واحد من كبار الأثرياء، أو من كبار التجار، أو كبار رجال الأعمال، أو صاحب مصانع وورش موبيليا.

وفترة طويلة كان يقدم نفسه للناس على أنه مدير وصاحب دار طباعة ودعاية ونشر اسمها «دار الفكر».

واتخذ «سليمان» هذه الدار مقرًا فخمًا مؤثثًا بأفخر الأثاث، مع سكرتيرة ومدير مكتب ومستشار قانونى ليمارس هوايته فى سرقة الأثرياء من خلف الستار.

وأراد يومًا سرقة قصر المليونير المعروف فى ذلك الوقت «سباهى»، وحين شعر به الموجودون بالقصر هرب، ولكن تم القبض عليه خارج القصر، وقدم للمحاكمة فحكم عليه بالسجن سنتين، ولكنه هرب من السجن، وتعرّف بالمحامى بدرالدين أيوب، وصارا صديقين. وأصبح المحامى صديقه ومحاميه الذى يتولى قضاياه، وانضم إليهما مهندس كيميائى، وأصبح الثلاثة لا يفترقون إلا نادرًا، وكثرت سهراتهم التى كان دائمًا يتولى محمود أمين سليمان مسئولية الإنفاق فيها.

تزوج «محمود» للمرة الثالثة بعد زيجتين انتهت كل منهما بالطلاق، قبل القبض عليه والتحقيق معه فى عدد من القضايا المجهولة التى لم يكن أحد يعلم بها إلا محاميه وصديقه بدرالدين أيوب.

وقتها أيقن أن صديقه المحامى غدر به؛ خصوصًا بعدما جاءته أنباء عن زيارات زوجته المتعددة لمكتب المحامى، كما جاءته أخبار عن وجود علاقة بينهما، وبالفعل تتبع أخبارها حتى تأكد من خيانتها، فقرر الهرب لينتقم ممن خانوه وأدخلوه السجن.

هرب «سليمان» من السجن لمطاردة من خانوه، واهتمت به الصحافة وقتها، وأطلقت عليه لقب «السفاح»، مع أنه لم يقتل إلا أحد البوابين، ولم يكن يقصد قتله.

القصة عاد وصاغها الأديب الكبير نجيب محفوظ فى رواية (اللص والكلاب)، بعد تغييره أسماء وبعض أحداث وشخصيات الرواية، وقام المخرج كمال الشيخ بإخراج الفيلم الشهير المأخوذ عن الرواية الذى نجد فيه تعاطفًا كبيرًا مع سعيد مهران، بينما نجد السفاح الحقيقى هو رؤوف علوان الذى قام بغرس المبادئ والفضائل فى نفس سعيد مهران، ثم تحول «علوان» إلى واحد من اللصوص الذين كان يهاجمهم وينتقدهم بلسانه وقلمه.

فى الرواية والفيلم قام اللص بسرقة منزل النجمة المشهورة كوكب، وفى الواقع لم تكن كوكب إلا «كوكب الشرق أم كلثوم».

وفى الرواية والفيلم كان سعيد مهران يطارد زوجته الخائنة نبوية وصبيه عليش سدرة والصحفى رؤوف علوان صديقه وأستاذه الذى علمه، ثم أدار له ظهره.

فى الواقع كان محمود سليمان يطارد زوجته «نوال» وصديقه المحامى «بدرالدين أيوب». فى الرواية والفيلم طارده البوليس بمصاحبة الكلاب البوليسية فى صحراء القلعة؛ حيث تم قتله بالرصاص، بينما فى الواقع أن المطاردة قد تمت بصحراء حلوان؛ حيث وُجد مقتولاً هناك، وقيل إنه قتل برصاصات البوليس وقيل إنه انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه.

وسواء هذا أو ذاك؛ فإن اللص محمود أمين سليمان صنعت منه الصحافة أسطورة وأطلقت عليه لقب السفاح، والعجيب أن صدور قانون تأميم الصحف صدر بعد أن نشرت جريدة الأخبار خبر مصرع السفاح وأسفله عنوان: «عبدالناصر فى باكستان».

ويعد مسلسل (فارس بلا جواد) واحدًا من أشهر الأعمال التليفزيونية القائمة على قصة واقعية، وهو يعد واحدًا من أشهر المسلسلات التليفزيونية التى جذبت المشاهدين وتركت لديهم أثرًا وتأثيرًا وعلامة ما زالت موجودة رغم مرور سنوات على ظهوره.

وبطل المسلسل الثعلب حافظ نجيب الذى أدى دوره فى المسلسل الفنان محمد صبحى شخصية حقيقية بالفعل، ولكن أحداث المسلسل اختلط فيها الواقع بالخيال الدرامى، ونحن هنا نعرض لبعض الأحداث الحقيقية التى أغفلها صناع المسلسل من حياة الثعلب حافظ نجيب.

وحافظ نجيب تعددت صفاته وألقابه وظنون المصريين فيه، قيل عنه إنه كان بطلاً، وقيل عنه إنه كان لصًا ومحتالاً، ولكن المؤكد أنه كان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وصحفيًا ومترجمًا وكاتبًا مسرحيًا وممثلاً مسرحيًا ومُدرسًا وواعظًا دينيًا وضابطًا وجاسوسًا وعاشقًا معشوقًا.

وفى مقابلة صحفية مع تشارلوت الشبراوى نشرتها مجلة «دى بارى ريفيو» فى صيف عام 1992، قال الأديب الكبير نجيب محفوظ إنه يعتبر أن حافظ نجيب صاحب أول تأثير أدبى عليه، وأنه حينما بدأ قراءة الروايات فى العاشرة من عمره كانت أولى قراءاته من تأليف حافظ نجيب، فكان ذلك سببًا فى تغيير مسار حياته وتشكيل شخصية الروائى.

والثعلب حافظ محمد نجيب حسن السداوى، هو ابن محمد بك نجيب الضابط المصرى، وأمه تركية الأصل، ووُلد سنة 1879 على الأرجح؛ حيث ذُكر له أكثر من تاريخ للميلاد.

وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية ألحقه والده بمدرسة ثانوية عسكرية، لكنه تركها بعد فترة.

وتعرّف «حافظ» على أميرة روسية ونشأت بينهما علاقة غرامية، وبعثته الأميرة ليدرس بكلية سان سير بفرنسا، ولكنه ترك الدراسة والتحق بالجيش الفرنسى خلال الحرب العالمية الأولى، كما عمل فترة بالجيش التركى بالآستانة.

كان «حافظ» عبقريًا ويجيد التحدث بالعربية والتركية والإنجليزية والفرنسية، كما أجاد الشعر وتأليف القصص والروايات؛ حيث عرف واشتهر بأنه شاعر وقاص وروائى وكاتب مسرحى وصحفى ومترجم، وهو له العديد من القصائد التى كتبها ونشرها، بالإضافة إلى عدد من الكتب والقصص والروايات.

وكتاب «حافظ نجيب الأديب المحتال» تأليف سيد على إسماعيل يؤكد أن حافظ نجيب احترف النصب والاحتيال فترة من حياته، ووظف ذكاءه أحيانًا ضد القانون ليحصل على المال؛ حيث ظل البوليس المصرى يطارده أعوامًا، قبل أن يلقى القبض عليه.

ووصف نجيب محفوظ حافظ بقوله: «اللص الشهير والسجين الذى دوخ الشرطة وألّف 22 رواية بوليسية»، وقال إنه يعتبره المنافس لأرسين لوبين فى شهرته، فقد كان يسرق الأمراء والأغنياء ويعطى الفقراء، وكان واسع الحيلة ويجيد التنكر والتخفى، لدرجة أنه خلال فترة هروبه من البوليس تخفّى مرة فى شخصية راهب، ويقال إنه عاش فترة من حياته داخل أحد الأديرة بأسيوط.

وهكذا عاش حافظ نجيب حياته بين المغامرة والأدب، ودوّن مذكراته فى كتاب، شملت فقط قصة حياته من مولده حتى سنة 1906 فقط، ولم يكتب عن بقية حياته.. ومات حافظ نجيب فى نوفمبر 1946 عن 67 عامًا.