الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المصداقية الموسمية

المصداقية الموسمية

منذ بدء الصحافة قبل عقود طويلة، ظلت مسائل الحياد والموضوعية والمصداقية والشفافية تشغل بال العاملين بالصحافة والإعلام وكذلك مستخدمى ومستهلكى المحتوى الإعلامى. وحتى سنوات قليلة مضت، كان الكثيرون منا ينظر إلى مؤسسات إعلامية غربية باعتبارها النموذج والقدوة والمثال الذى يجب أن يحتذى من أجل الوصول لأفضل شكل ودرجة ومحتوى ممكن يحترم عقلية المستخدم ويعكس ضمير الصحفى أو الإعلامى وكذلك المؤسسة الإعلامية المنزهه إلى حد كبير من المصالح والأغراض، سواء كانت شخصية أو مؤسساتية أو حتى ترجح مصلحة دولة على حساب أخرى. 



لكن العقدين الماضيين شهدا تقلبات عاصفة فى مشهد الإعلام. قدوم الـ«سوشيال ميديا» والإنترنت بشكل عام قلبا المفاهيم والمعايير والأفكار رأساً على عقب. ومن يقرأ كتب ونظريات الإعلام التى مازالت تدرس فى كليات الإعلام لدينا اليوم يشعر أحياناً أنه يقرأ التاريخ القديم وليس الإعلام الحديث. 

صحيح أن الإعلام التقليدى ما زال يحاول جاهداً أن يرفع راية الحياد والمصداقية والتحقق من المعلومة إلخ، لكنه يصارع من أجل البقاء فى أمواج الـ«سوشيال ميديا» العاصفة. لكن هذه الأمواج العاصفة كشفت أيضاً لنا أن ما كنا نتصوره حياداً ومصداقية فى مؤسسات إعلامية غربية ليس بالدرجة المثالية التى كنا نتخيلها.

فحين تعتمد مؤسسات إعلامية كبرى تتخذ من الموضوعية والمصداقية عنواناً لها على مدى انتشار الـ«هاشتاجات» أو محتوى ما يكتبه أفراد مؤشراً لما يدور فى بلد ما، أو حين تمتثل مؤسسات إعلامية كبرى لمطالب جماعة أو أفراد فى دولة أخرى، وتعتبرها غاية مُنى وأمل شعب هذه الدولة بأكمله، فهذا أبعد ما يكون عن الحياد والمصداقية. 

مصداقية منصات الـ«سوشيال ميديا» ليست فى مدى انتشارها أو قوة تأثيرها على ملايين المتابعين، لكنها فى مصداقية محتواها. 

من جهة أخرى، لا تتوقف معايير المصداقية والتوازن على مقدار الحقيقة فى المحتوى الخبرى،لكنها تمتد كذلك إلى اختيار الأخبار من حيث الأهمية وترتيبها من حيث الأولوية، وكذلك فى «نوعية» المصادر التى يعتمد عليها فى التحليل والتفسير. 

خذ عندك مثلاً على سبيل المثال لا الحصر، حين تعتمد مؤسسة إعلامية فى تحليلاتها السياسية أو الاقتصادية لما يجرى فى دولة ما على أستاذ علوم سياسية معارض للنظام وخبير اقتصادى ينتمى لجماعة دين سياسى تهيمن على أفكاره ونظرياته وفى حالة عداء مع الدولة موضوع التنظير، هل يمكن اعتبار التحليل صادقاً ومنزهاً عن الأغراض؟! والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى.

كذلك توقيت الأخبار واختيار الموضوعات. خذ عندك مثلاً المهندسون والمحاسبون والإداريون الأجانب القادمون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها والذين يعملون فى بلدان خليجية منذ سنوات طويلة ويقيمون فيها مع عائلاتهم تختفى الإشارة إليهم تماماً حين تستيقظ مؤسسة إعلامية غربية ذات صباح لتكتشف تقارير عن إساءة معاملة العمال الأجانب وظروف عملهم غير الآدمية وغيرها، وهو الاستيقاظ الذى تزامن وفعالية عالمية كبرى تقام فى هذه الدولة أو خناقة نفطية عظمى تدور فى تلك الدولة. 

مرة أخرى، المصداقية عظيمة، لكن حين تكون دائمة وليست مسببة أو موسمية.