من مذكرات شاب قبل أن يطب
نادية عابد
2 مايو سنة 1962
«الحياة جميلة لذيذة، مغفل من يفكر فى تحليل ظواهرها.. الحياة تعاش فقط، لى أصدقاء يقولون أن من يعيش الحياة دون أن يحاول فهمها بهيم، أنا سعيد بهذا الوصف أننى أفضل أن أعيش الحياة بكل نبض فى عروقى على أن أفهمها، ولقد ثبت لى أن من يفهم الحياة لا يحياها، إنه يكتفى منها بهذا القدر، وحين تمضى به رحلة العمر يكتشف أنه لم يفهم شيئًا، وأن كل ما عرفه سراب فى سراب، وفى نظرى أن أجمل ما فى الحياة هو الحب، صدق من قال أن الحياة هى الحب، والحب هو الحياة.. لماذا أتفلسف الليلة؟ لأنى أشعر أن «أمينة» أشعلت خيالى بعد مناقشاتها التى نسينا فيها الوقت.. واكتشفنا أن ثلاث ساعات مرت دون أن ندرى، غدًا سأرى أمينة فى نفس الميعاد سألتنى اليوم وهى تضغط على يدي: ماذا تحب في؟ وقالت لى ليكن هذا موضوع بكره، قلت لها: ماذا تكرهى فى شخصيتى، ليكن هذا حديثك معى بكره، ما زال بيننا وبين بكره.. دهر من الزمن»!
9 أغسطس سنة 1962
«يوم سخيف، ممل، تعاستى قد وصلت للقمة، أنا لا أصدق أن أمينة بهذه السطحية فى العواطف، طول عمرى أقول أنها «أمينة» على حبنا! لا أتصور، لا أصدق.. كيف تسمح أمينة لنفسها أن تقبل دعوة مدحت هذا الهلفوت للسينما، من يكون مدحت هذا؟ شبل من أشبال الأهلى.. سيكون له مستقبل، وماذا يهم، أنا أعرف أن أمينة تكره الكورة وبتوع الكورة، دائمًا تقول لى أن موسم الدوشة والصداع بدأ، غريبة، كيف تسمح أمينة لمدحت أن يداعبها ويغازلها وهى تسبح فى الماء، هل أنا غلطان لأنى خرجت من البحر وارتديت ملابسى وأهملتها، لا، إنها لا تستحق مجرد العتاب، لن أعاتبها، لن أستمر معها، خسارة ولكنى سعيد، كرامتى فوق حبى».
11 سبتمبر سنة 1962
رأيت اليوم نجلاء، إنها بنت حلوة ولطيفة، تعجبنى ابتسامتها إنها أجمل ابتسامة فى الوجود، سأعرف رقم تليفونها من صاحبتها سامية، ولن ترفض الحديث معى.. سأكيد أمينة، هذه الساذجة التى تتصور أنها الجميلة الوحيدة فى الدنيا، أمينة التى كانت تذيل كل جواباتها لى بجملة واحدة لا تتغير «فى حياتى حياتك.. وفى مماتى مماتك» لعلها تكتب نفس الأسطوانة للهلفوت مدحت!
25 ديسمبر سنة 1962
كلام غريب سمعته الليلة من «نوجا»، قالت لي: لازم نشوف حل لحكايتنا، لازم تتقدم لبابا إذا كنت بتحبنى.. ضرورى تكلمه قبل ابن عمى سامح ما يسبقك، ما معنى هذا الكلام؟ ما هذه الهموم الجديدة التى تضعها نجلاء فوق رأسى؟ هل من الضرورى أن أذهب لوالد نوجا ما دمت أحبها.. أنا صحيح بحبها لكن مفيش داعى أشوف والدها وأكلمه! ثم أكلمه فى إيه؟! أما حاجة سخيفة، كان لازم أقول لنوجا أنها بتقول كلام تخريف! تخريف إزاي؟ البنت بتدور على مستقبلها، كل بنت عايزة تتجوز، كل بنت عايزة تعرف رأسها من رجليها، طيب وأنا مالى، دى مسئولية، تخصنى فى إيه؟!، يا سلام، هجم الصداع على، لا أستطيع أن استمر فى الكتابة، أفضل النوم على وجع الدماغ!
14 مارس سنة 1963
اتغديت اليوم فى سهرة عيد ميلاد فتحى، اكتشفت أنى كنت وحدى كفرع الشجرة الجاف، كان فى الحفل سليم وزوجته منى،وكان موجود عفت وزوجته عفاف، وحضر عبدالفتاح وخطيبته السورية نجوى،كانت حفلة بسيطة، وكان فتحى متألقًا كعادته، وهمس فى أذنى أن والد ناهد وافق على خطبتها له بعد كفاح استمر سنتين، قمت فى نشوة الفرح بالخبر وصرخت: فى صحة الكفاح يا جماعة، ضج الجميع بالضحك، كنت فى الحقيقة أريد أن أصرخ من الألم والوحدة، لم أستطع أن أدعو «نوجا» لأنى لا أريد أن أكون موضع «تريقة» وفى نفس الوقت لا أفكر فى نوجا، كزوجة: ما هذا الكلام سمعت شفتى تقول كلمة زوجة! أما حكاية!
4 أبريل سنة 1963
رغم أنه شهر الكذب، فأنا أشعر أنه فترة الصدق فى حياتى، أحس بوحدة شديدة، أشعر أن الحب بلا مسئولية كلام فارغ، الحياة مع أكثر من واحدة تشتيت للعواطف وللوقت وللشخصية، لا تعجبنى حريتى، إنها فوضى وليست حرية، أنا حزين!
23 أبريل سنة 1963
كلام أحمد صفوت، كان فيه رنة صدق شديدة، كنت أستمع إليه بكل جوارحى، قال أحمد صفوت: مفيش أجمل من الحرية، مفيش ألذ من العزوبية، ابعد يا بنى عن الجواز وغنى له، إنت مالك ومال وجع الدماغ والقرف، أنا متجوز من سنة ونص أنما حاسس أنهم 8 سنين، نفسى أسهر معاكم ليلة يا أولاد الإيه، مش قادر، نفسى آخد راحتى وأصرف ثلاثة أربعة جنيه، مش قادر، أحمد صفوت يحس بالعجز، وينصحنى فى النهاية باستمرار حريتي!
4 مايو سنة 1963
«الليلة خطوبة نجلاء، تقدم سامح لوالدها، علمت من صاحبتها سامية هذا الخبر، قالت إن «نوجا» فضلت سامح أبو 23 جنيه وبتحبه، على راجل عجوز كحه عنده 80 فدان وعمارتين!
برافو عليكى يا نجلاء، ربنا يوفقك.
أشعر بوحدة
طار النوم من عيني
سآخذ قرص وأنام!
7 أغسطس سنة 1963
تؤرقنى مشكلة، عندما أفكر فى الزواج، كيف سأختار فتاتى، هل تختارها لى العيلة، أم أبحث عنها بنفسى؟! كيف أضمن أنها لم تعرف أحدًا قبلى،كيف أفكر هكذا؟! هل أنا مسئول عن «الجراب العاطفى».
أنا مبلبل
لا أستطيع أن أفكر جيدًا.
14 أكتوبر سنة 1963
«الليلة، عيد ميلادى، الأيام تمر بسرعة، مهما سمعت عن الزواج، وقرفه وعذابه، فإن جحيمه أمتع من جنة هذه الحرية، أى لذة أحسها إذا كانت الحرية بلا مسئولية، أفكر جديًا فى الزواج أريد أن أربط حياتى بإنسانة تفهمنى وأحسها.. تنمو بيننا مع الأيام «عشرة» جميلة».
2 نوفمبر سنة 1963
«تشتاق روحى لإنسانة تشاركنى سعادتى وتعاستى ومللى.. تشتاق روحى لإنسانة تحاسبنى، أين ذهبت ولماذا تأخرت.. تشتاق روحى لإنسانة تستولى على نقودى وتمنعنى من التبذير بالقوة، تشتاق روحى لإنسانة ألقى إليها بأحزانى دون أن تشعر بالضجر، تشتاق روحى لإنسانة أفرح لابتسامة تلمع فى عينيها، وأحزن لدموع تترقرق بين جفنيها».
تشتاق روحى.. للزواج.
6 ديسمبر سنة 1963
«طبيت، واللى كان.. كان، قررت الزواج!».
طبق الأصل
• نشرت فى 6 أكتوبر 1977•