الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المتصيدون وذباب الإنترنت!

المتصيدون وذباب الإنترنت!

أردد دائمًا أمام الأصدقاء قولى: «لو تواجد الإنترنت فى مرحلة شبابى لأعددت العديد من رسائل الدكتوراه» فى وقت كنا نقضى فيه الساعات الطوال فى المكتبات بحثًا عن المعلومة. اليوم قدم لنا الإنترنت العديد من الأشياء الرائعة، مكتبات العالم وكنوزها بين أصابع الأيادى، العلوم والثقافة والفن بروائعه والتاريخ بزخمه أمام أعيننا.



لكن مع الأسف استكْفى معظم الـ4.95 مليار شخص يمثلون 62 ٪ من سكان العالم من الإنترنت بالمراسلة الفورية، والدردشة، والأفلام حسب الطلب، والألعاب عبر الإنترنت، وجلبوا له طرقًا جديدة للتواصل السلبى لم تكن ممكنة. نحن نتحدث عن المتصيدين عبر الإنترنت. المتصيدون هم الأشخاص الذين أطلق عليهم إيلون ماسك «ذباب الإنترنت»، يثيرون عن قصد المشاكل فى مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعى. أشهرهم أليكس جونز، عبر شبكته InfoWars.com نشر بعد أن قتل شاب مسلح ببندقية نصف آلية 20 طفلًا و6 بالغين، زعم بأن أقارب التلامذة الذين قتلوا فى مدرسة ساندى هوك بولاية كونيتيكت، كانوا فى الواقع ممّثلين. رغم أنها مجزرة أثارت موجة خوف فى الولايات المتحدة.

وقضت هيئة المحكمة بإلزام المتهم بأن يدفع لذوى الضحايا ولعميل فى مكتب التحقيقات الفيدارلى مبلغًا إجماليًا قدره 965 مليون دولار، وذلك تعويضًا عن التشهير والضرر المعنوى الذى ألحقه بهم. وبعد سنوات اعترف جونز علانية بأن المجزرة وقعت بالفعل، ومن بين ما زعمه قوله إن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما «يترأس تنظيم القاعدة»، ثم اتهمه لاحقًا. هذا الأسبوع قال مالك تويتر الجديد إيلون ماسك إنه سيبقى على حظر مروج نظريات المؤامرة أليكس جونز على المنصة بسبب ادعاءاته المتكررة بتسليح تنظيم الدولة الإسلامية. أليكس جونز يقوم ببيع المكملات الغذائية ومعجون الأسنان والسترات الواقية من الرصاص.

ورغم محاولات تويتر بإدارته الجديدة مراقبة المحتوى لحظر نشر أى أخبار كاذبة، فقد شهدت المنصة مؤخرًا «فوضى عارمة»، بعد أن قرر ماسك طرح علامة توثيق إضافية لكل الحسابات المشتركة بخدمة «تويتر بلو» مقابل 8 دولارات شهريًا. وفور بدء تفعيل الخدمة، غرقت المنصة فى حسابات محاكاة ساخرة تقّلد أخرى أصلية، وهو ما ضلل المستخدمين، وجعلهم يجدون صعوبة فى تمييز الحسابات الأصلية من المزيفة. وكانت أشهر تلك الحوادث، توثيق حساب ساخر يحاكى حساب شركة الأدوية Eli Lilly الأمريكية، عندما أعلن الحساب المزيف عن توفير أدوية الأنسولين لمرضى السكر مجانًا, وقد لاقت تلك التغريدة رواجًا واسعًا وشاركها الآلاف احتفاءً بالقرار، قبل أن يتبين أن الحساب مزيف وأنه حصل على شارة التوثيق المدفوعة. وتسببت التغريدة فى اهتزاز أسهم الشركة وكلفتها خسائر بلغت مئات ملايين الدولارات. ظاهرة اتسع نطاقها من خلال وسائل الإعلام الرقمى، تروج لها مواقع التواصل الاجتماعى للتشويش والفوضى وتحقيق مكاسب سياسية ومالية. فلنعمل جميعًا من أجل الحقيقة، فالمؤسسات الإعلامية غير قادرة على خوض غمار المعركة وحدها، ومكافحة شبح التضليل مسئولية الفرد أيضًا لتحصين المجتمع من مآلات الظاهرة المستفحلة، مع سن قوانين صارمة تبيد وتقضى على «ذباب الإنترنت» لتمويل إمبراطوريته الإعلامية.