الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«حميدة» هرمت من النفاق

«حميدة» هرمت من النفاق

مشهد الطفلة العروس وهى تجول قريتها فى الشرقية محمولة على الأعناق وحولها رجال القرية و«كبارات» البلد وهى تلوح بدليل عفتها القماشة البيضاء وفى جيب والدها شهادة «الطب الشرعى» التى تثبت أن فى إمكان رجال الأسرة أن يمشوا مرفوعى الرأس لأن البنت طلعت عذراء، هذا المشهد  يذكرنى تمامًا  بـ«مدرسة الأخلاق الحميدة» فى مسرحية «مدرسة المشاغبين».



الأسرة زوجت الصغيرة وهى فى سن الطفولة - بحكم القانون. ومعنى أن تتزوج وهى فى هذه السن أن مسألة التحاقها بمدرسة أمر غير وارد على الأرجح. ومعنى أن تتزوج الصغيرة فى هذه السن هو أننا نضخ المزيد من الجهل والأمية والفقر فى المجتمع، ونشجع ونؤيد ونبارك خروج المزيد من الأمهات الأميّات. ثم نخصص الأموال والموارد وعوائد الضرائب لنخصص لهن المعاشات الاستثنائية والمساعدات الإضافية ونضم المزيد لبطاقات التموين، ثم ننشئ الجمعيات الخيرية لنجمع لهن الأموال لإخراجهن من محابسهن بعد أن يحررن إيصالات أمانة وشيكات بدون رصيد للحصول على أجهزة كهربائية وغرف سفرة ونيش وصالون لتزويج بناتهن القاصرات ليرفعن الراية بعدهن. ونمضى قدمًا فى الإبقاء على دائرة الفقر والجهل، وبالطبع تحقير المرأة واختزالها فى دماء غشاء البكارة، مغلقة بالضبة والمفتاح.

المجتمع الرافع راية «الأخلاق الحميدة» على الأعناق، ويجول فى القرية مؤكدًا أن «الشريفة العفيفة» وصلت يا بلد لا يعنيه جهل طفلة أو تعريضها لصدمات نفسية وعصبية فى هذه السن المبكرة أو إشهارها قطعة القماش البيضاء أمام الجميع وشهادة العذرية دون حياء. ولا يعنيه أيضًا أن «الشخص» الذى تزوجته شهّر بها، ولا يعنيه أنه ربما جاهل جنسيًا أو مريض. فالعذر كله له. لماذا؟ لأنه «رجل»، ولم يتحمل فكرة 

أنه ربما تزوج طفلة ربما أقامت علاقة جنسية قبله. عذره مقبول بالطبع!

مجتمع الأخلاق الحميدة لا يعلم أن فتيات يقمن علاقات «شبه كاملة» تتوقف عند حدود فقدان العذرية بمعناه البيولوجى. ويتجاهل عمليات «ترقيع الغشاء» التى أباحها بعض رجال الدين الذين نسألهم قبل أن ندخل الحمام وأثناء صعود المترو وبعد الأكل وأثنائه عن حكم الدين فيما نفعل. البعض من رجال الدين يرى أن الفتاة فى حال تعرضت للاغتصاب يمكن أن تخضع لعملية ترقيع الغشاء بغرض الستر. لا يهم أن يعرف زوج المستقبل ما جرى. ولا يهم ما تعرضت له المغتصبة من ‏Trauma تستوجب العلاج النفسى المكثف والدعم المجتمعى الكامل وليس الستر بالترقيع. 

مجتمع الأخلاق الحميدة يحتاج إعادة نظر فى مكونات أخلاقه وفى المقصود بـ«حميدة». فكرة أن نكون من «بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله» لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمى. بل أزيدكم من الشعر بيتًا وأقول إن مجتمع الأخلاق الحميدة ولو من بره فقط يتناقض والسير عكس الاتجاه وإلقاء القمامة والبصق فى الشارع والاستيلاء على حرم الطريق سواء لتوسع المقهى أو للصلاة والتحرش بالنساء والفتيات والطفلات ولو بالنظر فقط.

الأخلاق لا تتجزأ و«حميدة» هرمت من النفاق.