الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

واحة الإبداع.. هواية ظالمة

ريشة: أميرة عماد
ريشة: أميرة عماد

وقفت أمام المرآة تتأمل ملامح هجرتها البهجة، تأملت عينيها بعد أن فقدتا بريق الحياة، وأنفها الذى أصبح أكثر حدة فزمت شفتيها محاولة استحضار حيوية قديمة فشلت فى ملاحقتها.



وضعت على وجهها بعض المساحيق، رسمت حدود عينيها رغم كراهيتها  لوضع الحدود، سمحت للون زهرى هادئ باحتضان شفتيها، حاولت الابتسام فخرجت الابتسامة هزيلة، تطلعت إلى عينيها مرة أخيرة ثم رسمت على وجهها نظرة ساهمة.

أغلقت كل الأبواب من خلفها ثم راحت تعد الخطوات التى تفصل بينها وبينه، تسطر قدمها على الطريق بقايا قصة حب تخلت عنها يومًا ما كجنين العار ثم راحت تبحث عنها بين ذراعيه ثانية.

هناك.. بعيدًا كان جالسًا ناظرًا إلى السماء فاقتربت وقد كسا الوجل خطواتها لتتعثر  بأمنيات وخيبات وآمال لا تدرى مصيرها، تخلت عنها الشجاعة، كادت ترفع رايات الاستسلام لولا التفاتته إليها، فاتها أوان التراجع، ألقت عليه  تحية اصطبغت بغموض الأحرف، أجابتها ابتسامة فاقت تحيتها غموضًا، أشار إليها لتجلس فكانت أحضان المقعد أكثر أمانًا من إشاراته، هرب منها قاموس العربية فآثرت الكف عن ملاحقة قواعد تركيب الجمل والكلمات، تمردت يدها وكادت تلمس كفه التى آثرت فنجان القهوة عليها ولكنها أجادت منذ زمن بعيد كبت التمرد، أمسكت بسيجارة نحيفة ثم احتوتها بين شفتيها، وبدون رحمة أشعلتها وارتشفت نفسًا طويلًا أخرجته فى بطء متقطع، لونت عينيه غيوم الغيرة وهو يقول: «إذن هل أجهزتِ عليه؟».

ارتجفت السيجارة بين أصابعها وكسا التحدى صوتها قائلة: «تعلم أن  الإجهاز على الآخر هو هوايتى الأثيرة».

ارتشف كوب الليمون المستسلم أمامه وقال ساخرًا: «أعترف أنك تجيدين ممارسة  هواياتك.. وأكمل محاولا وضع  نهاية للموقف: ما المطلوب منى الآن؟.

نظرت إلى أصيل عينيه للمرة الأولى وقالت فى لوعة أثارت تلك  الحرائق القديمة فى كيانه:  «اشتقت إليك».

تماوجت به الدنيا وعصفت به أنواء الحيرة فمازال يحمل ذلك الزخم بين ضلوعه ومازال  التطلع إلى وجهها الطفولى أسمى أمنياته، بعد أن صلبت حروف الحب على حائط الخيانة عادت لتهديه أروع كلماتها كاد أن ينسى كم كانت تجيد انتقاء الكلمات، وكم درب قلبه على تخطى حواجز إبداعها اللغوى فكبا فى أول اختبار على أرض الواقع، كم حاول أن ينسى تلك المرأة التى استبدلت بضلوعه وسادة أخرى استراحت عليها، بينما أحرقت وسادته جحيم الظنون والتخيلات. تناثرت الكلمات وعقمت الحروف وفقدت اللغة معانيها ولم يجد مخرجًا سوى السباحة فى دروب  الصمت الذى قطعته بقولها: «لقد جئت لأعلن لك أن قلبى لم يحتضن سواك، ولم أشعر بقدسية الحاء والباء سوى عندما تعانقتا بين شفتيك، أدرى أننى أخطأت عندما انسحبت من حياتك كطيف ولكننى الآن أضع قلبى وهمسات ماضينا بين يديك».

سحرته الكلمات ولكنه تذكر يوم أن أتى إليها حاملًا خاتم الزواج، تذكر كيف ارتجفت وأشاحت بوجهها عنه ورحلت كقطار طائش لا يرتبط بمواعيده، تذكر كيف جلس ناظرًا إليها تغادر حياته كروح تمردت على جسد تسكنه وتركته بلا هوية بلا وطن.

تجنب النظر إلى عينيها وسأل محاولًا  صبغ كلماته بصبغة القسوة «هل كان أفضل منى»؟.

قالت فى سرعة: «لم يولد بعد من أفضله عليك».

قال: «من هو؟».

عانقت عينيها فنجان القهوة أمامه وقالت فى صوت يائس: «إنه سرى الصغير، أرجوك اعطنى الحق فى الاحتفاظ به».

قال: «إن أردتِ دفء ضلوعى فشاركينى سرك».

ارتادت فراديس الصمت وبعد أن اصطلت بنظراته أخذت  تعد الحروف التى سترسم قسرًا على شفتيها، أخذت نفسًا عميقًا من سيجارتها وقالت: «أورثتنى والدتى جينات إدمان الحبوب المسكنة، لم أرد أن أقترن بك قبل أن أتخلص منه ولم أك واثقة من قدرتى على ذلك، لذا ابتعدت حتى استطعت الخروج من قبر المسكنات إلى عالمك،  إذن هل تشفع لديك رغبتى فى إسعادك؟

اتسعت عيناه، ارتدى وجهه ملامح الدهشة،  وتماوجت بين تلافيف عقله ألسنة اللهب، ثم   قال وقد اغتربت بين شفتيه كلمات المواساة وسكنت منفى القلب للأبد: سيدتى، الحب يمكنه غفران الخيانة ولكن هيهات أن يغفر لى أبنائى اختيارى لأم تحمل جيناتك المريضة وهرموناتك الطائشة.