الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصة عزيزة الفحلة وحكايات توحة

نساء فى عالم الفتونة

اخترقت النساء عالم الفتونة وكسرت القاعدة
اخترقت النساء عالم الفتونة وكسرت القاعدة

اكتسح الرجال عالم الفتونة لفترات طويلة، وكان من الطبيعى وجودهم فى مجال كهذا، حتى إنهم كانوا مقبولين فى هذه المهنة عند الناس على عكس النساء، حيث إن المجتمع لا يقبل أن ترأسه امرأة أو أن تتفوق عليه بدنياً، لكن فى بعض الأحياء المصرية كسرت بعض النساء القاعدة وأخضعت الجميع تحت سلطانها ولم يكن يجرؤ كبير أو صغير أن يعارضهن، وسيطرن لفترة طويلة على عالم الفتونة، منهن عزيزة الفحلة فتوة المغربلين وتوحة الشهيرة بسكسكة فتوة الجيزة.



 

 

فى محافظة الشرقية ولدت صبحة إبراهيم على وتربت وسط أسرة بسيطة حتى تزوجت من ابن عمها وانتقلت معه للعيش فى القاهرة، حيث أنجبت ابنتها الأولى نبوية ثم تطلقت وتزوجت للمرة الثانية من الحاج محمد الفحل وأنجبت منه باقى أولادها وعاشت معه فى حى المغربلين، حيث افتتحا محلاً لبيع العلف، ومن هنا دخلت صبحة عالم الفتونة باسم عزيزة الفحلة وهو الاسم الذى اشتهرت به.

ناصرت عزيزة الفقراء ودافعت عن المظلومين وكانت كريمة وقوية شرسة لا تخشى أحدًا، وكانت مشهورة بـ«الروسيات والبوكس» والنبوت الملىء بالمسامير فى الخناقات المتعددة التى دخلتها، كذلك كانت تعلم أطفال وصبيان الحتة فنون القتال ورفع الأثقال، كانت قدوتهم فى القوة والشجاعة، منهم مختار حسين الذى أصبح بطل العالم فى رفع الأثقال وكان من سكان المغربلين وحكى أن من دربته كانت عزيزة فتوة حيّه!.

 

 

 

لم تحب عزيزة أبداً المعارك ولم تخضها إلا بعد فشل كل المفاوضات، ولم يقتصر دورها على ذلك فقط، بل كانت تدافع عن أى مصرى تعرض لقهر سواء من الإنجليز أو الأتراك ولها فى ذلك واقعتان مشهورتان، الأولى حين علمت أن الجنود الإنجليز يتعرضون للنساء المصريات ويتحرشون بهن فى حمام النساء بالمغربلين، فجهزت لهم كمائن داخل الحمامات وخارجها وهاجمتهم هى ورجالها حتى أبرحتهم ضرباً فلم يعودوا يكررون هذه الفعلة مرة أخرى.

أما الواقعة الثانية فكانت حين استنجد بها فلاح مصرى وحكى أنه تعرض للضرب من أحد الأتراك، فغلت الدماء فى عروقها وجمعت رجالها وذهبت للتركى فى بيته وضربته ومن معه بالنبوت الملىء بالمسامير حتى شعرت أن حق الفلاح قد عاد فذهب وتركته غارقًا فى دمائه.

مع المليجى!

لم تؤثر عزيزة فى بطل رفع الأثقال وحده، لكنها أثرت كذلك فى واحد من أهم فنانى السينما المصرية على الإطلاق وهو محمود المليجى، يحكى المليجى أنه كان واحدًا من سكان حى المغربلين وتحديداً يسكن فى عمارة تملكها هى، فيقول فى عدد من البرامج: عزيزة الفحلة كان طولها يطلع 190 سم وكانت رفيعة بتبيع حبوب بنقول عليهم «علافين» اللى هما يبيعوا الذرة والفول والردة وكده، كانت فتواية المغربلين اللى بتحمى الضعيف وتدى المحتاج، وأنا كان عندى ٩ سنين وقتها لما وعيت عليها كنت لما أعرف إنها رايحة خناقة كان لازم أروح وأتفرج وآخد بعدها علقة موت من أبويا، عزيزة كانت زى فارس من فرسان القرون الوسطى كانت قوية جدًا كأنها روبن هود الغلابة أثرت فيا واتعلمت منها كتير أوى.

ومن مواقفها الشهيرة التى تحكى عن «الفحلة» كانت أنها حين تعرضت لظلم شديد فى قسم الشرطة فلجأت للمأمور الذى ظلمها بدوره وهكذا الحكمدار وحتى المحافظ لم ينصفها، فما كان منها إلا أنها تعرضت هى ورجالتها لموكب الخديو عباس وصرخت بأعلى صوتها «مظلومة يا أفندينا مظلومة» ليأمر بعدها الخديو بحل مشكلة فتواية المغربلين!، الموقف الثانى يحكيه واحد من أحفادها فيقول: من كتر المشاكل اللى كانت بتعملها القاضى فى آخر مرة قال لها: مشوفش وشك تانى، حصلت مشكلة بعدها وراحت داخلة له المحكمة بضهرها قالها القاضى انتى داخلة بضهرك ليه؟ قالت له: مش أنت قولتلى مشوفش وشك تانى دخلتلك بضهرى، راح القاضى ضحك ضحك هستيرى وخلاها تروح فى اليوم ده.

 

 

 

ومن عزيزة الفحلة لتوحة فتواية المطرية التى دفعها الحب لامتهان الفتونة والضرب بالروسيات! كانت فاطمة محمد سالم صاحبة حياة مأساوية أجبرتها على الفتونة بشكلها العنيف، فقد ولدت فى قرية تابعة لبلبيس بمحافظة الشرقية، وكانت وحيدة يتيمة لم يبق لها سوى والدها الضرير العجوز كانت تسحبه من يده ليقرأ القرآن فى البيوت حتى يكسبا قوت يومهما، عانت ليالى طويلة بلا طعام وفى برد شديد وحين أكملت الثانية عشرة زوّجها والدها بالإكراه لمزارع متزوج فكان لها ضرة تضربها يومياً وتعذبها حتى كرهت نفسها وزوجها وأصرت على الطلاق منه بعدها، ذهبت إلى القاهرة وتعرفت إلى بائعة خضار فأصبحت صديقتها الوحيدة كان لها أخ يدعى كمال وقعت فاطمة فى غرامه، وهو كذلك بادلها الإعجاب وتزوجها، ولكنه خانها وطلقها بعد ثلاثة شهور فقط! 

كان وقع التجارب المؤلمة المتتالية على فاطمة ثقيلاً جداً أحست أنها منتهكة وأنها ضعيفة لا تستطيع أن ترد حقوقها فلجأت للعمل فى مصنع للغزل وكانت يوميتها ١١ قرشًا، حين علم بها طليقها ردها وظل يطاردها حتى يحصل عليها لأنه كان عاطلاً، فى هذا الوقت تعرفت إلى رجل آخر اسمه عبدالستار شجعها على الانفصال عن زوجها لأنه يحبها ووعدها بالزواج، وحين أخبرته عن تهجم زوجها عليها فى كل يوم نصحها بأن تضربه «علقة موت» حتى يخاف منها ويتركها لحالها، بالفعل بعد أيام حاول زوجها التعدى عليها أمام عملها فعاجلته بالضرب حتى ألقى عليها اليمين وتركها لحالها.

 

 

 

كومبارس سينما

كانت هذه المرة الأولى التى عرفت فيها فاطمة بقوتها الجسمانية واستعذبت أن تأخذ حقوقها المهدورة بالفتونة، تزوجت عبدالستار وعملت كومبارس بالسينما وعاشت حياة سعيدة، وبعد فترة أصر زوجها أن يعلمها فنون القتال ويدربها على «ضرب الروسيات ومسك السكين» وهى أتقنت ذلك لأنها اقتنعت أنه الطريق الوحيد لأخذ الحقوق. لم يكن زوجها وفياً لها بشكل كبير فحدث أن ضبطته مرات مع نساء أخريات فكانت تعيده إليها وتضربهن حتى يبعدن عن زوجها، وذات مرة سمعت فى الراديو تمثيلية إذاعية كانت بطلتها توحة فشعرت أنها تشبهها وتشبه حياتها فأطلقت على نفسها توحة بدلاً من فاطمة، ومن ذلك الوقت أصبحت المعلمة توحة فتوة المطرية التى يخشاها الجميع.

تبدأ المعركة وتنتهى دائماً بانتصار توحة حتى إنها ضربت فى مرة أكثر من 20 رجلاً ولها معارك كثيرة أرعبت فيها قلب «أكبر شنب» كما تحكى قصتها، كانت معظم معاركها تدخلها من أجل الدفاع عن زوجها عبدالستار وكانت تهدد دائماً بذبح من يقترب منه.

 

 

 

وفى عام 1951 جاءت إخبارية للبوليس «الحقونا المعلمة توحة ذبحت خمسة وقفلت كل الدكاكين». فى هذا اليوم أصاب توحة الجنون حين سمعت «سيد العجلاتى» يتحدث إلى زوجها عن دين عنده وكان 60 قرشاً فلم تعجبها لهجته فى الكلام فشتمته وحين سمعت «نعناعة» والدة سيد صوت الخناقة سكبت الماء على رأس توحة فجن جنونها وأمسكت بيدها اليمنى سكينًا ويدها اليسرى مبردًا وعاجلت سيد بطعنة فى الرقبة ثم روسية حادة، ثم طعنت أخاه فى ذراعه، وحين حاول الأب الدفاع عن ولديه ضربته ضرباً مبرحاً ثم ضربت رجلين حاولا فض الاشتباك حتى تكوم الخمس رجال على الأرض، فخاف الناس وأغلقوا دكاكينهم وظنوا أن الجنون أصابها وستهجم على البيوت لتذبح من فيها.

 

ميدان المسلة فى المطرية زمان
ميدان المسلة فى المطرية زمان

 

وفى النهاية تمكن أحد السكان من الاتصال بالبوليس فجاءوا ووجدوها جالسة أمام ضحاياها ويداها مليئة بالدماء، فأمسكوا بها وتولت النيابة التحقيق وبعد فترة أفرجوا عنها بكفالة خمسة جنيهات مع تعهد باعتزال الفتونة نهائياً وعدم الظهور فى الشوارع، وبهذا انتهت أسطورة توحة فتوة المطرية.