الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الخروج من تحت التاج

إليزابيث الثانية
إليزابيث الثانية

تساؤلات عديدة، وجدل كثير، ساد العالم عقب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، حول خروج عدد من دول العالم من تحت التاج الملكى البريطانى، بسبب تفاقم حدة النزاعات الانفصالية، فى عدد من الدول التابعة لما يسمى الكومنولث البريطانى، والمستعمرات التى وحدتها الملكة الراحلة، تحت مظلة التاج منذ عام 1952 وعلى مدار 70 عامًا.



 

أكثر الأسئلة التى تفرض نفسها بعد وفاة الملكة إليزابيث: ما التداعيات السلبية على المملكة ودول الكومنولث، وخاصة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وهل سيستطيع الملك «تشارلز الثالث» احتواء تلك النزعات، تحت مظلة التاج البريطانى كما فعلت الراحلة «إليزابيث»، أم سيتهاوى تاج الاتحاد بعد طرح عدد من الجمهوريات المستقلة الفكرة خلال الفترة المقبلة؟

مطالب الاستقلال عن التاج البريطانى ليست جديدة ولكن احتواءها من عدمه يرجع إلى قدرة الملك «تشارلز الثالث»، مع استجابة شعوب ورؤساء الدول التابعة، للبقاء تحت التاج البريطانى، أو إيثار الاستقلال.

البداية من أسكتلندا، ففى عام 2014 أجرت أسكتلندا استفتاءً شعبيًا «للموافقة أو عدم موافقة» الشعب على الاستقلال، فى محاولة للانفصال عن التاج الإنجليزى وإعلان جمهورية جديدة، تدير شئون نفسها، ولها سيادة القرار.

ولكن جاءت نتائج الاستفتاء غير مرضية لمؤيدى الانفصال بنسبة 55 % ترغب فى البقاء تحت المظلة البريطانية، بينما صوت 45 % من الشعب الأسكتلندى لصالح الاستقلال، وهو ما يفسر اكتساب النزعات القومية والانفصالية زخمًا قويًا نتيجة جهودهم المتواصلة، نحو تعزيز ثقافة التحرر داخل المملكة المتحدة.

وتجدد وفاة الملكة إليزابيث مشاعر الانفصاليين فى انتهاز فرصة جديدة لمزيد من الإجراءات نحو الانفصال.

أما فى أيرلندا الشمالية، وفى الوقت الذى يعتبر فيه شعبها أن التاج البريطانى هو رمز الذل والعار الذى اعترى بلدهم، ارتفعت فيه النزعة الانفصالية، لتكون أكثر عنفًا وشراسة، وعلى مدار 30 عامًا بين 1968 و1998،  اشتعلت الحروب الأهلية، بين أنصار هذه النزعة، ومؤيدى التبعية للتاج البريطانى.

وفشلت الوحدة بينهم إلا فى طريقة التعامل مع الملكة الراحلة، والتى كانت رمزا للوحدة بين شعوب المملكة، وكان أشهر مشهد لذلك قبل 10 سنوات، عندما زارت «إليزابيث» أيرلندا الشمالية، وصافحت خلالها أكثر زعماء المناهضين تشددًا «مارتن ماكجينيس»، مرتكزة على قوتها الناعمة فى الحفاظ على إرث الامبراطورية البريطانية، ووحدة المملكة المتحدة.

 

 

 

ونشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مؤخرًا أيضا تقريرًا عن جدل فى الأروقة، حول ما إذا كانت الملكية كفكرة، ممكن اعتبارها قوة توحيد لبريطانيا الحديثة من عدمه، وقالت التقارير إن استطلاعات رأى أجريت قبل عام كشفت أن 25 % من البريطانيين، و35 % من الأسكتلنديين، يؤيدون التحول إلى النظام الجمهورى بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وهو ما طفا على السطح فعليا فى الأيام الأخيرة.

ومن المتوقع أن يتضاعف الجدل حول مصير المملكة والملكية فى بريطانيا عقب هدوء حالة الزخم، والعواطف الحزينة، التى خلفتها وفاة الملكة إليزابيث، وخاصة أن الملك تشارلز الثالث يحتاج لجهود ضخمة، لبناء حاجز قوامه الإرادة المشتركة بين شعوب المملكة، فى مواجهة النزعات الانفصالية، لأنه وحسب خبراء فإن النظام الملكى لم يعد قادرًا وحده على ضمان وحدة المملكة، ومطلوب فى القصر الملكى فى بريطانيا خلق دوافع أكثر قوة للحفاظ على المملكة كيان واحد.

لا تقتصر دول «التاج البريطانى» على الـ 15 دولة رئيسية، إذ أن هناك 54 دولة فى القارات الـ 6 كانت فى السابق مستعمرات بريطانية.

ويضم هذا الاتحاد نحو 2.5 مليار نسمة، كما يضم دول مهمة مثل استراليا وجنوب إفريقيا وكندا، ويعتبر دور الملك فى تلك الدول رمزيًا إلى حد كبير، فهو «رأس الدولة» وليس رأس الحكومة.

 

 

اتحاد التاج البريطانى تأسس عام 1971 بهدف الحفاظ على العلاقات السياسية لهذه الدول مع بريطانيا، وتشكيل التعاون التجارى والاقتصادى بين الدول الأعضاء، وسط توقعات أن يتقلص عدد دول هذا الاتحاد خلال فترة حكم الملك «تشارلز الثالث»، حيث خرجت 18 دولة من تحت مظلة التاج وتخلت عن الملكة الراحلة إليزابيث كرأس للدولة، رغم بقاء تلك الدول أعضاء فى الاتحاد.

ونقلت الجارديان البريطانية، الأمير تشارلز (قبل وفاة الملكة الراحلة) قوله: «إن الكومنولث يضم دولا كانت لديها علاقات دستورية مع عائلتى، وبعضها لا يزال يفعل ذلك.. وأن الإبقاء على الملكة كرئيسة للدولة البريطانية، أو التحول إلى جمهورية أمر يقرره كل بلد من الأعضاء على حدة».

انتيجوا وباربودا 

فورًا وعقب وفاة الملكة إليزابيث «رمز الوحدة»، تجهزت أنتيجوا وباربودا إحدى دول «الكومنولث»، للدعوة لاستفتاء شعبى يستهدف استقلال البلاد وإعلانها جمهورية خلال 3 سنوات، حسب تصريحات رئيس وزراء انتيجوا وباربودا «جاستون برون»، رغم توقيعه على وثيقة تنصيب «تشارلز الثالث» ملكًا، ويقول مراقبون إن توقيع الوثيقة هو السبب الذى جعل جاستون يلجأ إلى الشعب لاستفتائه حول الاستقلال عن التاج البريطانى وإعلان بلاده جمهورية مستقلة.

وفى السياق فإن هناك حركات قوية داعمة للخروج من تكتل الكمونولث، مثل كندا، وأستراليا، وعلى نطاق أقل نيوزيلندا، بينما هناك دول أخرى صرحت بالفعل بنيتها الاستقلال، مثل «بليز، وجزر الباهاما، وجامايكا، وجرينادا، وسانت كيتس، ونيفيس»، بالإضافة إلى «ويلز»، وبحسب استطلاع نشره معهد «أنجوس»، الذى أظهر أن 51 % من أعضاء الاتحاد، يوافقون على إلغاء الملكية البريطانية.

 

 

 

وفى القاهرة قال الدكتور أيمن سمير، المحلل السياسى إن بعض الدول وتحديدا نيوزيلاندا، والتى قد أعلنت رئيسة وزرائها «جاسيندا أرديرن»، أن بلادها ربما تتحول من دولة تحت مظلة التاج الملكى، إلى دولة مستقلة جمهورية فى «المستقبل القريب»، ولكن الملاحظ حتى الآن أنه لم تتخذ أى إجراءات للتحول حتى الآن، لكن هذا لا ينفى التوسعات بأن تبدأ نيوزيلاندا بإجراءات الخروج لأن الفكرة مازالت مدرجة على جدول الأعمال.

وأضاف: إن الحال كذلك بالنسبة لدولة أستراليا، حيث إن رئيس الوزراء الحالى ضد البقاء  رسميًا تحت النظام الملكى، ورغم ذلك فقد أعلن أنه لن يدعو إلى الاستفتاء على الخروج من النظام الملكى خلال فترة رئاسته للحكومة، وهو السياق الذى سلكته أغلب الدول فى الكاريبى وجزر سليمان، لكن هذا السياق لا ينفى احتمالات المستقبل.

 

 

 

وفى تقديره يقول أيمن سمير: أننا لم نشاهد نوعًا من الحركة السريعة لخروج الدول من تحت مظلة التاج البريطانى، ويرجع هذا إلى أن البقاء تحت مظلته، يعطى أحيانًا ميزة لتلك الدول، خصوصًا مع وجودها ضمن تكتل يشمل حوالى 56 دولة، منها الولايات المتحدة ضمن ما يسمى بالعالم «الإنجلوفونى»،

يكمل: وجود كل هذه الدول فى إطار ما يسمى بـ «تحالف القيم»، حسبما أطلق عليه كما أطلق عليه الرئيس الأمريكى «بايدن»، يعطى ميزة للدول الصغرى خصوصا فى المجال الاستراتيجى بالنسبة للحكومات التى تعادل قوتها العسكرية وقدرتها للدفاع عن نفسها ضد أى اعتداء خارجى، مثل جزر سليمان وجزر كثيرة فى البحر الكاريبى.. ولذلك فالأفضل لتلك الدول البقاء تحت التاج الملكى. 

 

 

 

ويرى سمير أن القضية الأخطر فى الموضوع هو رغبة رئيسة الوزراء الأسكتلندية «نيكولا ستارجن» فى الاستقلال، التى طلبت ذلك بالفعل من «بوريس جونسون» رئيس الوزراء السابق الذى رفض على أساس العرف السائد بأن إجراء الاستفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة، يحدث مرة واحدة فى كل جيل، وكان آخر استفتاء عام 2014، وصوت بإرادة البقاء تحت التاج بنسبة 55 %.

وحسب أيمن سمير فإن المعضلة الأكبر تكمن فى استمرار رغبة الحزب القومى الأسكتلندى، على إجراء استفتاء الانفصال مرة أخرى.