الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ملاحف البنات

ملاحف البنات

أطلب من كل من عاصر مصر المحروسة فى الستينيات والسبعينيات وما قبلهما أن يغلق عينيه قليلاً ويتخيل مشهدًا لبنات مصر وطالباتها فى هذه العقود فى مدارسنا ثم يدق على الكمبيوتر ليقارن بين ما استحضرته من مشاهد وبين طالبات «الملاحف» فى الدقهلية. بالطبع «تدين» السبعينيات الذى نمت وترعرعت فى كنفه أجيال، وما زال يرعى وينتشر ويتوغل، سيستنفر الكثيرين ليطالبوا بتكريم طالبات الملاحف وأولياء أمورهن والمعلمات المنتقبات اللاتى حتماً أثرن فى ملاحفهن ومدير المدرسة والوكيل والغفير وجميعهم شركاء فى هذا المشهد. هذا المشهد- مثار الشد والجذب بين المنتمين لتدين السبعينيات وبين البعض ممن نجوا بأنفسهم وعقولهم وقلوبهم واحتفظوا بالإيمان الذى يسمو بالقلب ويعلى من شأن العقل ولا يحصر التدين فى الجنس- يقول الكثير عن مصر والمصريين فى العقد الثالث من الألفية الثالثة. مبدئياً ترهات وسماجات وسخافات ميليشيات المتدينين الجدد التى تم تدريبها لتخرج عن بكرة أبيها ببطاقة «وهل تريدون أن تمشى البنات والنساء عرايا؟!» وذلك بغرض ترهيب المعارضين للملاحف والتلويح بتهمة الكفر والزندقة والغربة فى نشر الفسق والفجور وتعرية النساء إلى آخر المعزوفة المعروفة باتت ماسخة وبلا طعم. صحيح أنها ما زالت تحتفظ بنفوذها وقدرتها على إخافة البعض الذى يؤثر السلامة ويكتفى بمتابعة ما يجرى فى نساء وبنات مصر وهو يتعجب، إلا أنها لن تستمر طويلاً لأنها مناهضة للعقل ومناقضة للقلب والروح. ولن أخوض كثيراً فى التساؤل المشروع حول سر هذا التناقض الرهيب الذى حدث فى مصر، حيث تدين الجميع وتضاعفت أعداد مكبرات الصوت فى المساجد وارتدت الغالبية المطلقة إما الطرحة أو الخمار أو النقاب وأخيراً الملحفة، ورغم ذلك التحرش فيروسى وقيم التدين الأصلى من نظافة وضمير وتجنب النصب والاحتيال ومراعاة العمل والقيام بمهامه على أحسن وجه ورفض تقاضى الرشاوى ما كبر منها وما صغر وإلقاء القمامة فى الشارع وتخريب الممتلكات العامة من مواصلات وحدائق وغيرها فى تزايد وانتعاش مستمرين؟! غاية القول أن ملاحف بنات مصر رسالة واضحة وصريحة. المحاولات التى تبذل حالياً والجهود المستميتة والتى يدافع عنها كثيرون باعتبارها ترفع راية الأخلاق الحميدة والعفة والشرف والرقى والسمو تركز جل جهودها على ستات مصر وبناتها. فكل رسالة يود أحدهم توصيلها تحملها المرأة. وكل محاولة ترهيب أو جهد لوخز الضمير تمتصها المرأة وتترجمها مستسلمة صاغرة، وإلا تم تصنيفها عاهرة أو خارجة عن الملة أو سيئة السمعة. هذه المحاولات والجهود لم تعد إخوانية فقط، بل يتكالب عليها «اللابدون فى الذرة» انتظاراً للحظة الانقضاض الذهبية. الانقضاض هذه المرة لن يحمل شعارات «نحمل الخير لمصر» و«الإسلام هو الحل» و«مشروع النهضة» ذو الرأس والمؤخرة، بل سيحمل مبدأ «نحمل الحكم الدينى الواضح والصريح» و«التطرف والتشدد هما الحل» و«مشروع تحويل البلاد إيران سنية وفى أقوال أخرى مصرستان ولكن باللون الأسود وليس الأزرق الشائع فى ملابس المرأة المفروضة على النساء تحت سطوة طالبان فى أفغانستان. ولنتذكر أننا بتنا وحدنا فى هذا «المستنقع» بعد ما أخرجت الدول الأخرى نفسها منه بسرعة صاروخية.