
أمينة خيرى
سؤال الشيخ وطلب العلاج
نقول كمان. لن يستوى أو ينصلح حال أو تستدام إنجازات إلا بفصل الدين عن الدولة، والمشايخ عن الساسة، والفتاوى عن القوانين، والحلال والحرام عن الصح والخطأ. وهذا الفصل ليس إلحادًا أو كفرًا أو زندقة أو دعوة إلى نشر البيكينى أو إغلاق دور العبادة أو عبادة الأصنام أو لعب الميسر. هذا الفصل هو إعلاء من شأن الدولة المدنية حيث لا يُسأل فى الطب إلا الطبيب، ولا يبنى البيوت والطرق إلا المهندس، ولا يؤخذ رأيه فى قضايا البيئة والمناخ إلا خبراؤهما، ولا ينجح فى الامتحان إلا من ذاكر، ولا يخرج من فقر إلا من اجتهد، ولا يسد رمق من جاع إلا من أكل، ولا يفقد الوزن إلا من مارس الرياضة وقلل أكله، وهلم جرا.
هذه المقومات لازمة لأى دولة تريد أن تنهض. والإرادة ملك للدول، أى أن الدول التى لا تريد أن تنهض، أو تلك التى تعتبر النهوض هو العودة إلى الماضى السحيق أو التى تفضل ألا تنهض لأى سبب يتعلق بها مثل فقدان الرغبة أو ضياع الشغف أو الرضا على ما هى فيه، فهذه إرادتها الحرة المستقلة. لكن عليها فى الوقت نفسه أن تعلم أن الدول التى تختار شعوبها مخاصمة النهوض، أو اختيار النهوض العكسى حيث نبذ الحداثة وكراهية الجغرافيا ومعاداة التقدم واعتناق البدائية والتشبث بتلابيب التاريخ، فإن بقية الدول الأخرى أيضًا لها حرية الاختيار فى أن تنبذها أو تتركها تغوص فى عوالم التاريخ والسلف والماضى السحيق لتهنأ بها دون مشاركتها فى مسيرة العلم والتقدم. مبدأ الحرية يكفل لهذه الدول كذلك عدم مشاركة الدول التى اختارت أن تغفو وتغفل وتستغنى عن التقدم فيما تبتكره من دواء وتخترعه من تقنيات وأدوات وسبل معيشة حديثة.
استمرارنا فى إقناع أنفسنا بأننا نعيش فى دولة مدنية المشايخ عمادها والفتاوى قوانينها وتفسيرات الدعاة قانونها لا يعنى أننا فعليًا نعيش فى دولة مدنية. واستمرارنا فى الاعتقاد بأن علينا أن نسأل رجل الدين قبل أن نفكر وقبل أن نذاكر وقبل أن نعمل وقبل أن نبدع وقبل أن ننتخب وقبل أن نحتفل وقبل أن نعلن الحداد لن يعطينا درجات إضافية أو يدخلنا لجنة رأفة يوم الحساب.
رأس الدولة وقائدها بح صوته من كثرة المطالبة بالتجديد والتحديث والتطهير. بيننا من يحلم بتجديد الخطاب الدينى الذى بات مخاصمًا للعقل مناوئًا للتقدم، وبتحديث الفكر والعقل بعد ما وقعنا أسرى سموم فكرية جعلت من الحياة رجسًا ولعنة و «الموت أسمى أمانينا»، وبتطهير ما علق بنا من شوائب وأتربة جعلت التفكير رجسًا من عمل الشيطان وإلغاء العقل صكًا من صكوك الإيمان.
نمرض فنذهب إلى الطبيب ونتبع العلاج وندعو الله بسرعة الشفاء. ندخل الامتحان فنذاكر ونجتهد ونطلب من الله التوفيق والسداد. نعانى فقرًا فنعمل ونبذل ما فى وسعنا لنخرج من دائرته وندعو الله أن يدعم جهودنا ويباركها. يخطئ أحدنا، فيعاقب بالقانون الذى وضعه فقهاء القوانين لا بسؤال الشيخ أو طلب فتوى.