الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
على إسماعيل.. بقاء رغم الغياب

على إسماعيل.. بقاء رغم الغياب

واحد من الموسيقيين الذين تمنيت أن أعاصرهم، وأرتع فى بحر موهبتهم، وألتهم فلسفتهم الجمالية وأبعادهم الروحية، للأسف لم يسعنى قدرى أن أحظى بنيل هذا الشرف، وأن ألتقط معارف ومواهب موسيقية من خلاله، إنه الفنان على إسماعيل الذى رحل عن دنيانا قبل مولدى بثلاثة أعوام، لكننى ومنذ طفولتى المبكرة استمعت واستمتعت بموسيقاه، عاشت فى وجدانى، وغُرِست فى أعماقى، وتعرفت من خلالها على موسيقانا الشرقية واستلهامات موروثاتنا الشعبية، والفولكلور المصرى المتعدد الثقافات من خلال استنباط تلك الأفكار اللحنية فى إبداعات على إسماعيل المختلفة وخاصة منتجه الإبداعى الذى قدمه لفرقة رضا. 



فنظرًا لحبى لفن الاستعراض فى سنواتى الأولى، وإعجابى الشديد برقصات فرقة رضا المتميزة، وكذا فتنتى براقصتها الفريدة فريدة فهمى، فكنت من عشاق هذا الفن الممتع، ومع سنوات التنشئة والبحث حول المعارف الموسيقية بشكل أو بآخر، بدا لى أن نجاح تلك الفرقة يعود للموسيقى التى أبدعوا من خلالها محمود رضا وعلى رضا تصميمات رقصاتهما التى طافت عواصم العالم، فكانت تلك هى البداية التى التقطتنى لأرتشف من عالمه البديع.  ومع اهتمامى فيما بعد بمجال موسيقى الأفلام الذى أعتبره أحد الخبرات التى استفدت وتعلمت منها كثيرًا بالتطلع إلى المفردات اللغوية الموسيقية الخاصة بمؤلفينا الموسيقيين الذين أضافوا أبعادًا حسية وجمالية بل ودرامية لذاكرة السينما المصرية بما قدموه واحدًا تلو الآخر، فما أن بدأت استكشاف هذا العالم من خلال أول أبحاثى حين طرقت أترس جماليات الموسيقى الفيلمية واستهللتها بموسيقى أفلام يوسف شاهين. فلفت نظرى وشغل حدسى ما آثره بموسيقاه الفيلمية الرصينة المعبرة عن تلك الأحداث الدرامية فكان على إسماعيل واحدًا ممن أثروا ثقافتى الموسيقية للأفلام، وزادنى دراية وشغفًا بمقدرته الفائقة على ربط الأحداث الدرامية بأبعاد موسيقية جمالية ترتبط بالحالة الوجدانية للمتلقى فتضيف أبعادًا حسية ونفسية تقترب من المشاعر الإنسانية التى يعايشها الجمهور على الشاشة.

أما عن الجانب الإنسانى وهو فى اعتقادى الشق الأهم فى حياة أى فنان، والذى يترجم مدى نجاحه أو إخفاقه، فمن المستحيل أن نفصل الجانبين، فهما فى رباط مقدس، وزواج كنسى أبدى، ولهذا فكل فنان ينضح فكره وإبداعه بملكات روحه، وأخلاقياته وإنسانياته، وبالتالى فجمال ألحانه وعذوبة جمله الموسيقية وروعتها نابع من صفاء روحه ونقاء نفسه بغزارة ألحانه وجمله القصيرة الرشيقة عن تلك الصفات والجوانب الإيجابية المغلفة بفرط الإنسانية.

فبعد أن مضى قطار العمر ظلت إبداعات على إسماعيل تعانق السماء خلال مسيرة عطاء فاضت علينا فى دنيا النغم سابحة بجمال روحه، تاركًا سيرة ملهمة للموسيقيين من بعده، وأعمال باقية لن تغيب عنها الشمس رغم غياب الروح عن الجسد، حين فاضت إلى بارئها فى يوم حزين أظلمت فيه شمس الإبداع الساطعة، فى 16 يونيو عام 1974،عن عمر 52عامًا. لقد توج أعناقنا بما قدمه هذا المبدع الخلاق بأعمال من نبض روحه الهائمة فى إيقاع مؤلفاته الساحرة. جفت الأقلام ولم تطوى صحف إبداعه.....لتستمر رحلة البقاء.