الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
تقنين «السناتر» وتبديد التربية

تقنين «السناتر» وتبديد التربية

أقدّر الدكتور رضا حجازى كثيرًا وأحترمه. والتقدير والاحترام لا يفسدهما الاختلاف فى الرأى. كثيرون توقعوا أن يكون ملف المعلمين أولوية الدكتور رضا، ويعتقد البعض أن المقصود بملف المعلمين هو رفع رواتبهم والنظر فى حوافزهم وتعيين الملايين من الباحثين عن فرصة عمل هربًا من البطالة، لكن دكتور رضا أعلم الناس بأن ملف المعلمين ملغوم وليس مثقلًا فقط بمشكلات اقتصادية.



نسبة مؤثرة من المعلمين قاومت بشدة محاولات التطوير التى بدأتها الوزارة فى عهد الدكتور طارق شوقى. كثيرون رأوا أن التطوير - سواء فى المحتوى أو الأسلوب- لا يصب فى مصلحتهم ولا يفيدهم من قريب أو بعيد. ومنهم من اعتاد الوضع القائم منذ عقود وانضم لـ«جروبات الماميز» هبدًا ورزعًا ومقاومة وإمساكًا بتلابيب «ما ألفينا عليه آباءنا».

المؤكد أن هناك قطاعًا من المعلمين مؤمن برسالته كمعلم وليس كجالب للأموال من الدروس الخصوصية فقط. حتى أولئك الذين اضطروا للمشى فى طريق الدروس الخصوصية لتأمين متطلبات الحياة بينهم من لم يسقط رسالته التربوية والتعليمية الأصلية فى المدرسة. وكنت آمل أن يفتح الدكتور رضا ملف المعلمين فتحًا جريئًا من منطلق أن صلاح المعلم وتركيبته النفسية والفكرية والثقافية والمادية صلاح للمنظومة التربوية والتعليمية، لكن مجرد التلويح بفكرة ترخيص مراكز الدروس الخصوصية وتقنين أوضاع المدرس الخصوصى أقلقتنى كثيرًا.

تتردد كثيرًا فى الأجواء حاليًا جمل مثل «المراكز موجودة كده كده» أو «الدروس الخصوصية أمر واقع» أو «الدروس الخصوصية أفضل وأنفع من المدارس»! فهل يعنى ذلك أن نقنن ونكرم ونبارك المنظومة التى أصابت منظومتى التربية والتعليم فى مقتل، وبالمرة نطلق رصاصة الرحمة على المدارس؟ هل هكذا نصلح الوضع الأعوج؟!

لو تم هذا الكلام فعلاً، واستنادًا إلى تركيبتنا الاجتماعية والنفسية والأخلاقية، ففى خلال أسابيع قليلة سيكون لدينا منظومتان أو ثلاث للدروس الخصوصية. واحدة رسمية مقننة والباقى «تحت بئر السلم»!

ولو تم هذا الكلام، فإن هذا سيقضى على الأمل الضعيف المتبقى لإعادة الاعتبار لمنظومة التعليم المدنى الحديث.

وعلى سيرة المدنى، أهمس فى أذن الدكتور رضا حجازى مذكّرة له بأن ما ينشره المعلم من أفكار فى الفصل (فى حال وجود الفصل) يُحفَر فى أذهان الصغار. ولدينا معلمون مسهم ما مس كثيرين فى مصرنا الحبيبة من الغزو الثقافى المرتدى عباءة الدين وجلبابه فى سبعينيات القرن الماضى.

الأفكار المناهضة لتنظيم الأسرة باعتباره حرامًا، والمروجة للمرأة باعتبارها كائنًا دونياً صُنِع من أجل الجنس والتكاثر فقط، والمؤمنة بفكرة فوقية بشر على بشر بناء على ما هو مكتوب فى خانة المعتقد فقط لا غير، والقائلة بأن الفن حرام والضحك حرام والمرأة حرام والموسيقى حرام وغيرها موجودة فى الهيكل التعليمى، سواء كان فى منظومته الطبيعية فى المدارس أو فى الموازية غير القانونية غير التربوية فى مراكز الدروس الخصوصية.

غاية القول أن الأولى بنا أن نعمل على إعادة المعلم المصرى إلى المكانة التعليمية والتربوية والفكرية والفنية والإنسانية التى يستحقها ويستحقها أبناؤنا وأحفادنا وليس ترسيخ الكيانات الموازية.